الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> بدر شاكر السياب >> حقائق كالخيال >>
قصائدبدر شاكر السياب
- -3
- ماذا تريد العيون السود من رجل
- قد حاش زهر الخطايا حين لاقاها
- زهرا على جسمي المحموم أقطفه
- في باقة من جراح بتّ أصلاها
- هذا الربيع الذي تهدي شقائقه
- ريح المنايا إلى قلبي بريّاها
- أزهار تموز ما أرعى أسلمه
- في عتمة العالم السفلى أياها
- أم صل حواء بالتفاح كافأني
- و هو الذي أمس بالتفاح أغواها
- ماذا تريد العيون السود ؟ إن لها
- ما لست أنساه منها حين أنساها
- ما بالهن استعضن البوم أوعية
- عن أوجه الغيد حتى ضاع معناها
- أين المناقير من لعس مراشفها
- ربي ؟ و أين ابتسام كان يغشاها
- من هذه الخربة الظلماء محدقة
- بي أعين البوم من أجداث موتاها
- قفراء منغير ثكلى شف مئزرها
- عن وهج فانوسها الكابي و أخفاها
- تسعى كما اصطاد في ليل يراعته
- طفل وطارت و قد ألوى جناحاها
- محنية تتفرى كل شاهدة
- من كل قبر كما لو كان طفلاها
- في كل قبر يذوقان الردى دية
- عمن يؤاوي و عن أحياء دنياها
- نادتهما فانبرى يزقو لصيحتها
- من حيث رد الصدى بوم و ناداها
- أماه إنا هنا ريح بنا عصفت
- لم ندر أيم أنهينا بعد لقياها
- و انشق منخلفها قبر ليبلعها
- و احتازها و اشرأبت منه كفّاها
- يختص فانوسها التمام بينهما
- و الريح خرساء تعبى غير ها ها ها
- و يلم سازاك كيف اندك حائطه
- حتى تعرى لي السهل الذي حجبا
- سهل يكن الصلال الرقط أجهضه
- عاد من المحل حتى يفرغ العطبا
- و انبحت التربة العجفاء من عطش
- عم أشدق فاغرات تنبح السحبا
- و لاشمس كالأطلس المسعور تنهشه
- و الريح تصليه من تنورها لهبا
- الريح لا ليست الريح التي ركضت
- بيضاء سوداء رقطاء القفا عجبا
- عنقاء في مسعر الجوزاء أعينها
- و الصخرة يرفص من أظلافها شهبا
- تلك الزرافات في السهل العقيم لها
- مرعى روى من سراب ينبت السّغبا
- ما روعتها سوى ضوضاء خشخشة
- في كف أبرص يعدو خلفها خببا
- تخفيه عنها ضمادات و يظهر
- ما نز من قيحه الدامي و ما شخبا
- نادى و كفاه تختضان و احربا
- فاستعبر العاصف المصدور واحربا
- ماء اسق يا ماء تلهاث مقاطعة
- منزوعة من لسان يشبه الخشبا
- حتى استجاب السحاب الجون فانعقدت
- في الجو حباته الغبراء فاحتجبا
- و انهل لا عن ندى صاف و لا مطر
- بل عن دم من ثدي مزقت حلبا
- أو عن مشاش من الأحداق فقأها
- سيخ لجنكيز دام ينفث اللهبا
- ماء اسق يا ماء و الغيث الرهيب كلى
- مفرية سحت الآجال و الكربا
- لم يبق من مر تو أو ظاميء بفم
- أو دون و من ماء الردى شربا
- ويل لسازاك ماذا ينوي بدمي
- من نيّة فهو يستصفي و يمتار
- تلك الزجاجات أشلاء مجزأة
- مني دمي مختز فيهن موار
- لم تثن سازاك عن شحذ لمدينة
- آهات مرضى و لا ألهاء زوار
- إني لدار بأني حين يشرعها
- ران إليها فملدوغ فمنهار
- هل تبتغي شفرتاها غير آنية
- فيها دمي راجف و الداء و العار
- ما كنت يوما و لا المرضى سوى عرض
- في أعين سازاك يجبي منه إيجار
- ست و عشرون أعداد على سرر
- أما الأصحاء و المرضى فأصفار
- فالرقم عشرون لا يسقى سوى لبن
- و الرقم عشر نعاه اليوم محرار
- و اليوم لم يبق ما اعطيه عن مرض
- إلا دعائي و قولي نعمت الدار
- فليلق سازاك من يسمى ثمانية
- غيري و يستوف أجر القبر حفار
المزيد...
العصور الأدبيه