الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> بدر شاكر السياب >> المسيح بعد الصلب >>
قصائدبدر شاكر السياب
- بعدما أنزلوني سمعت الرياح
- في نواح طويل تسف النخيل
- و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح
- و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
- لم تمتني و أنصتّ كان العويل
- يعبر السهل بيني و بين المدينة
- مثل حبل يشدّ السفينة
- و هي تهوي إلى القاع كان النواح
- مثل خيط من النور بين الصباح
- و الدجى في سماء الشتاء الحزينة
- ثم تغفو على ما تحسّ المدينة
- حينما يزهر التوت و البرتقال
- حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال
- حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها
- و الشموس التي أرضعتها سناها
- حين يخضرّ حتى دجاها
- يلمس الدفء قلبي فيجرى دمي في ثراها
- قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا
- قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا
- قلبي الماء قلبي هو السنبل
- موته البعث يحيا بمن يأكل
- في العجين الذي يستدير
- ويدحى كنهد صغير كثدي الحياه
- متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله
- كنت بدءا و في البدء كان الفقير
- متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم
- كم حياة سأحيا ففي كل حفرة
- صرت مستقبلا صرت بذره
- ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي
- قطرة منه أو بعض قطرة
- هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا
- فقد كنت سره
- كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكره
- جمّدت فيه و استلّت الروح منها
- خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه
- عيناه صخرة
- راح فيها يواري عن الناس قبره
- خاف من دفنها من محال عليه فخبّر عنها
- أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا
- أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه
- هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا
- ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة
- قدم تعدو قدم قدم
- القبر يكاد بوقع خطايا ينهدم
- أترى جاءوا من غيرهم
- قدم قدم قدم
- ألقيت الصخر على صدري
- أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري
- فليأتوا إني في قبري
- من يدري أني من يدري
- ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا
- قدم قدم
- ها أنا الأن عريان في قبري المظلم
- كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم
- تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم
- كنت كالظل بين الدجى و النهار
- ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار
- حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار
- حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
- حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه
- حطم السور بيني و بين الإله
- فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي
- فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة
- فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة
- سرب من الطير في قرية مقفرة
- أعين البندقيات يأكلن دربي
- شرع تحلم النار فيها بصلبي
- إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي
- من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ
- تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغر
- ذلك الموت موتي و ما أكبره
- بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة
- كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة
- كان شيء مدى ما ترى العين
- كالغابة المزهرة
- كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة
- قدس الربّ
- هذا مخاض المدينة
المزيد...
العصور الأدبيه