الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> بدر شاكر السياب >> الأم و الطفلة الضائعة >>
قصائدبدر شاكر السياب
- قفي لا تغربي ياشمس ما يأتي مع الليل
- سوى الموتى فمن ذا يرجع الغائب للأهل
- إذا ما سدّت الظلماء
- دروبا أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
- و إن اللليبل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء
- من الشهب اللوامح فيه مما لاذ بالظلّ
- من الهمسات و الأصداء
- شعاعك مثل خيط للابرنث يشدّه الحب
- إلى قلب ابنتي من بات داري من جراحاتي
- و آهاتي
- مضى أزل من الأعوام آلاف من الأقمار و القلب
- يعد خوافق الأنسام يحسب أنجم الليل
- يعد حقائب الأطفال يبكي كلما عادوا
- من الكتاب و الحقل
- و يا مصباح قلبي يا عزائي في الملمات
- مني روحي ، ابنتي عودي إليّ فها هو الزاد
- و هذا الماء جوعي ؟ هاك من لحمي
- طعاما آه عطشى أنت يا أمي
- فعبّي من دمي ماء و عودي كلهم عادوا
- كأنك برسفون تخطّفتها قبضة الوحش
- و كانت أمها الولهى أقل ضنى و أوهاما
- من الأم التي لم تدر أين مضيت
- في نعش
- على جبل ؟ بكيت ؟ ضحكت ؟ هبّ الوحش أم ناما
- وحين تموت نار الليل حين يعسعس الوسن
- على الأجفان حين يفتش القصّاص في النار
- ليلمح من سفينة سندباد ذوائب الصاري
- و يخفت صوته لوهن
- يجن دمي إليك يحن يعصرني أسى ضار
- مضت عشر من السنوات عشرة أدهر سود
- مضى أزل من السنوات منذ وقفت في الباب
- أنادي لا يرد علي إلا الريح في الغاب
- تمزق صيحتي و تعيدها و الدرب مسدود
- بما تنفس الظلماء من سمر و أعناب
- و أنت كما يذوب النور في دوّامة الليل
- كأنك قطرة الطلّ
- تشرّبها التراب أكاد من فرق و أوصاب
- أسائل كل ما في الليل من شبح و من ظل
- أسائل كل ما طفل
- أأبصرت ابنتي ؟ أرأيتها ؟ أسمعت ممشاها ؟
- و حين أسير في الزحمة
- أصغّر كل وجه في خيالي كان جفناها
- كغمغمة الشروق على الجداول تشرب الظلمة
- و كان جبينها و أراك في أبد من الناس
- موزّعة فآة لو أراك و أنت ملتمة
- و أنت الآن في سحر الشباب عصيرة القاسي
- يغلغل في عروقك ينهش النهدين و الثغرا
- و ينشر حولك العطرا
- فيحلم قلبك المسكين بين النور و العتمة
- بشيء لو تجسد كان فيه الموت و النشوة
- و أذكر أن هذا العالم المنكود تملأ كأسه الشقوه
- و فيه الجوع و الآلام فيه الفقر و الداء
- أأنت فقيرة تتضرع الأجيال في عينيك فهي فم
- يريد الزاد يبحث عنه و الطرقات ظلماء
- أحدّق في وجوه السائلات أحالها السقم
- و لوّنها الطوى فأراك فيها أبصر الأيدي
- تمدّ أحسّ أن يدي يدي معهن تعرض زرقة البرد
- على الأبصار و هي كأنهمن أدارها صنم
- تجّمد في مدى عينيه أدعية و سال دم
- فأصرخ في سبيل الله تخنق صوتي الدمعة
- بخيط الملح و الماء
- و أنت على فمي لوعة
- وفي قلبي وضوء شع ثم خبا بلا رجعة
- و خلّفني أفتش عنه بين دجى و أصداء
المزيد...
العصور الأدبيه