الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> إيليا أبو ماضي >> في فراش المرض >>
قصائدإيليا أبو ماضي
- مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة
- بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى
- ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى
- جفوني جماعات و مثنى و موحدا
- تراءى فآنا كالبدور سوافرا
- و آونة مثل الجمان منضّدا
- و طورا أراها حائرات كأنّها
- فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا
- و طورا أراها جازعات كأنّما
- تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا
- أحنّ إليها رائحات و عوّدا
- سلام عليها رئحات و عوّدا
- تهشّ إليها مقبلات جوارحي
- كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى
- و ألقي إليها السّمع ما طال همسها
- كذلك يسترعي الأذان الموحّدا
- و يغلب نفسي الحزن رحيلها
- كما تحزن الأزهار زايلها الندى
- كرهت زوال اللّيل خوف زوالها
- و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا
- و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي
- حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا
- و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما
- خيالاتها همّت بأن تتقيّدا
- فيا ليتني طيف أروح و أغتدي
- و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا
- نحلت إلى أن أنكر صورتي
- و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا
- مبيتي على الوثير ليانه
- و أحسبني فوق الأسنّة و المدى
- كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا
- كأن وسادي قد تحوّل جلمدا
- لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها
- تقوّم من أضلاعي المتأوّدا
- تصوّر لي الخيال حقيقة
- و أحسب شخصا واحدا متعدّدا
- لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن
- يضعضعني صرف الزمان إذا عدا
- إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي
- رمتني منها بالّذي يوهن اليدا
- تغلغل في جسمي النحيل أوارها
- فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا
- رأيت الذي لم يبصر الناس نائما
- و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا
- يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة
- تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا
- تهامس حولي العائدون ورجّموا
- و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا
- فما ساءني شماتة معشر
- رجوت بهم عند الشدائد مسعدا
- أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني
- ظننتهم شراوي خلقا و محتدا
- أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته
- و أحببته كما يحبّ و يحسدا
- وودّ أناس لو يعاجلني الردى
- كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا
- و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما
- يودّ زوال الشمس من كان أرمدا
- إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى
- تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا
- على أنّني والداء يأكل مهجتي
- أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى
- فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل
- و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا
- لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا
- فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا
- و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل
- متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟
- و إنّي في كبت العداة و كيدهم
- كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا
- و لكنّني أعفو و للغيظ سورة
- أعلّم أعدائي المروءة و الندى
- ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه
- فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا
- فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا
- كما كان يخشاني وقد كنت منشدا
- و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه
- كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا
- و من نال منه السيف و هو مجرّد
- تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا
- أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده
- و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا
- و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت
- عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا
- و لو أنّ من أهوى أطال دلاله
- تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا
المزيد...
العصور الأدبيه