الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> إيليا أبو ماضي >> في القفر >>
قصائدإيليا أبو ماضي
- سئمت نفسي الحياة مع الناس،
- وملّت حتى من الأحباب
- وتمشت فيها الملالة حتى
- ضجرت من طعامهم والشراب
- ومن الكذب لابسا بردة الصدق،
- وهذا مسربلا بالكذاب
- ومن القبح في نقاب جميل
- ومن الحسن تحت ألف نقاب
- ومن العابدين كلّ إله
- ومن الكافرين بالأرباب
- ومن الواقفين كالأنصاب
- ومن الساجدين للأنصاب
- ومن الراكبين خيل المعالي
- ومن الراكبين خيل التصابي
- والألى يصمتون صمت الأفاعي
- والألى يهزجون هزج الذباب
- صغرت حكمة الشيوخ لديها
- واستخفّت بكلّ ما للشباب
- قالت أخرج من المدينة للقفر
- ففيه النجاة من أوصابي
- وليك الليل راهي، وشموعي
- الشهب، والأرض كلها محرابي
- وكتابي الفضاء أقرأ فيه
- سورا ما قرأتها في كتاب
- -----------
- وصلاتي الذي تقول السواقي
- وغنائي صوت الصّبا في الغاب
- وكؤوسي الأوراق ألقت عليها
- الشمس ذوب النّضار عند الغياب
- ورحيقي ما سال من مقلة الفجر
- على العشب كاللّجين المذاب
- ولتكحّل يد المساء جفوني
- ولتعانق أحلامه أهدابي
- وليقبّل فم الصباح جبيني
- وليعطّر أريجه جلبابي
- ولأكن كالغراب رزقي في الحقل ،
- وفي السفح مجثمي واضطرابي
- ساعة في الخلاء خير من الأعوام
- تقضى في القصر والأحقاب
- يا لنفسي فإنها فتنتي
- بالحديث المنمّق الخلاّب
- فإذا بي أقلى القصور ، وسكناها ،
- وأهلى القصور ذات القباب
- فجرت العمران تنفض كفّي
- عن ردائي غباره وإهابي
- وتركت الحنى وسرت وإياها
- وقد ذهّب الأصيل الروابي
- نهتدي بالضحى، فإن عسعس الليل
- جعلنا الدليل ضوء الشهاب
- وقضينا في الغاب وقتا جميلا
- في جوار الغدران والأعشاب
- تارة في ملاءة من شعاع
- تارة في ملاءة من ضباب
- تارة كالنسيم نمرح في الوادي،
- وطورا كالجدول المنساب
- في سفوح الهضاب والظلّ فيها،
- ومع النور وهو فوق الهضاب
- إنما نفسي التي ملت العمران
- ملّت في الغاب صمت الغاب
- فأنا فيه مستقل طليق
- وكأني أدبّ في سرداب
- علمتني الحياة في القفر أني ،
- أينما كنت ، ساكن في التراب
- وسأبقى ما دمت في قفص الصّلصال عبد المنى أسير الرغاب
- خلت أني في القفر أصبحت وحدي
- فإذا الناس كلّهم في ثيابي!
المزيد...
العصور الأدبيه