الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> إيليا أبو ماضي >> بين مدّ و جزر >>
قصائدإيليا أبو ماضي
- سيّرت في فجر الحياة سفيتني
- و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
- فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى
- ملء الفضا ، ملء المدى المترامي
- و أقلّ منها البحر حين أقلّها
- دنيا من الأضواء و الأنغام
- و مشى الخيال على الحياة بسحره
- فإذا الهوى في الماء و الأنسام
- و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة
- و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
- و إذا العباب ملاعب و مراقص
- و إذا أنا من صبوة لغرام
- أتلقّف اللّذّات غير محاذر
- و أعبّ في الزلاّت و الآثام
- لا أكتفي و أخاف أكتفي
- فكأنّما في الاكتفاء حمامي
- و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي
- و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
- مرّت بي الأعوام تتلو بعضها
- و أنا كأنّي لست في الأعوام
- كالموج ضحكي ، كالضّياء ترنّحي ،
- كالفجر زهوي ، كالخضمّ عرامي
- حتى إذا هتف المشيب بلمّتي
- ودنت يد الماحي إلى أحلامي
- صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما :
- " هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
- " أسلمتني للقلب و هو مضلّل
- فأضرّني و أضرّك استسلامي "
- " يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى
- أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
- و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني
- للشطّ في بحر الحياة الطامي
- فطويت أعلام الهوى و هجرتها
- و نسيت حتّى أنّها أعلامي !
- و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى
- فإذا النهاية أعظم الآلام
- و إذا الطريق مخاوف ووساوس
- و إذا أنا من هبوة لقتام
- أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي ،
- و أرى الجمال بناظر متعام
- و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا
- و أشدّ حول الروح ثوب رغام
- فإذا أنا ، و الأرض ملكي و السما ،
- قد صرت عبد الناس ، عبد حطامي
- فتضايق القلب السجين و قال لي :
- " يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
- " ألقفر بالأحلام روض ضاحك
- فإذا تلاشت فالرياض مومي "
- " أين العيون تذيبني حركاتها
- و تموت في سكناتها آلامي "
- " و أطلّ من أهدابهاا السكرى على
- ظلّ ، و أنداء ، وزهر نام "
- " لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها
- أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
- " ألخمر ملء الجام لكن قد مضى
- شوقى إلى الخمر التي في الجام "
- " أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل
- فأضرّني و أضرّك استسلامي "
- " أنظر ، ألست تراك في أوهامه
- أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
- " ألمال ! من ذا يشتريه كلّه
- منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
- " يا صاحبي أطلقني من سجن النهى
- أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
- ***
- لا تسألوني اليوم عن قيثارتي
- قيثارتي خشب بلا أنغام !
- يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا
- فإذا مواكبه تسير أمامي
- إنّا التقينا في الشباب و في الهوى
- في حومتين
- و سنلتقي و إن افترقنا في غد
- في حبّ لبنان و حبّ الشام
- و ستلتقي روحي وروحك بعدما
- تفنى الهياكل في الإله السامي
- أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى ،
- بالفاتح الرّوحيّ ، بالمقدام
- بالشاعر الغرّيد في ألحانه
- عبق الربيع و نضرة الأكمام
- هو إن ذكرت الشعر من أمرئه
- و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
المزيد...
العصور الأدبيه