الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> نَبذَ الهوى ، وصَحَا من الأَحلامِ >>
قصائدأحمد شوقي
نَبذَ الهوى ، وصَحَا من الأَحلامِ
أحمد شوقي
- نَبذَ الهوى ، وصَحَا من الأَحلامِ
- شرقٌ تنبهَ بعدَ طولِ منام
- ثابتْ سلامته، وأقبل صحوهُ
- إلا بقايا فترة ٍ وسقام
- صاحتْ به الآجامُ: هنتَ! فلم ينمْ،
- أَعَلى الهوانِ يُنامُ في الآجامِ؟
- أُمَمٌ وراءَ الكهفِ جُهْدُ حَياتِهم
- حركاتُ عيشٍ في سُكونِ حِمام
- نفضوا العيونَ من الكرَى ، واستأنفوا
- سفرَ الحياة ، ورحلة َ الأيام
- مَنْ ليس في رَكْبِ الزمانِ مُغَبِّراً
- فکعْدُدْهُ بين غوابرِ الأَقوام
- في كلِّ حاضرة ٍ وكلِّ قبيلة ٍ
- هممٌ ذهبنَ يرمن كلَّ مرام
- من كلِّ ممتنعٍ على أرسانهِ
- أو جامحٍ يعدو بنصفِ لجام
- يا مصرُ، أنتِ كنانة ُ اللهِ التي
- لا تُستباحُ، وللكِنانة ِ حامِ
- استقبلي الآمالَ في غاياتها
- وتأمَّلي الدنيا بطرفٍ سام
- وخُذِي طَريفَ المجدِ بعدَ تَليدِه
- من راحَتيْ مَلِكٍ أَغرَّ هُمام
- يُعْنَى بِسُؤدد قومِه، وحُقوقِهم
- ويذودُ دونَ حياضهم، ويحامي
- ما تاجِ العالي، ولا نوَّابه
- بالحانِثين إليكِ في الإقسام
- جَرَّبْتِ نُعْمَى الحادثاتِ وبُؤسَها
- أَعَلِمْتِ حالاً آذَنَتْ بدوامِ؟
- عبستْ إلينا الحادثاتُ، وطالما
- نَزَلَتْ فلم نُغْلَبْ على الأَحلام
- من أَين جئتَ له بدارِ مُقام؟!
- ويُرَقِّدون نَوازِيَ الآلام
- الحقُّ كلُّ سلاحهم وكفاحهم
- والحقُّ نِعْمَ مُثَبِّتُ الأَقدام
- يَبنون حائطَ مُلْكِهم في هُدنَة ٍ
- وعلى عواقبِ شحنة ٍ وخصام
- قلْ للحوادث: أقدِمي، أَو أَحجمي
- إنَّا بنو الإقدامِ والإحجام
- نحن النيامُ إذا الليالي سالمتْ
- فإذا وَثَبْنَ فنحنُ غيرُ نيام
- فينا من الصبرِ الجميلِ بقية ٌ
- لحوادثٍ خَلْفَ العُيوبِ جِسام
- أين الوفودُ الملتقونَ على القرى
- المُنزَلون مَنازلَ الإكرامِ
- الوارثون القُدْسَ عن أَحبارِه
- والخالِفونَ أُميَّة ً في الشَّام؟
- الحاملو الفصحى ونورِ بيانها
- يَبنون فيه حضارة َ الإسلام؟
- ويؤلِّفون الشرقَ في برهانها
- لمَّ الضياءِ حَواشِيَ الإظلام؟
- تاقوا إلى أَوطانِهم، فتحَمَّلوا
- وهَوَى الديارِ وراءَ كلِّ غرام
- ما ضرَّ لو حبسوا الركائبَ ساعة ً
- وثنَوْا إلى الفُسطاطِ فضلَ زِمام؟
- ليُضيف شاهدُهمْ إلى أَيامِه
- يوماً أغرَّ ملمَّحَ الأعلام
- ويرى ويسمع كيف عادَ حقيقة ً
- ما كان ممتنعاً على الأوهام
- مِنْ هِمّة ِ المحكومِ وهو مُكبَّلٌ
- بالقيد، لا من همَّة ِ الحكامِ
- مِصرُ التقتْ في مِهرجانِ مُحمدٍ
- وتجمعتْ لتحية ٍ وسلامِ
- هَزَّتْ مَناكبَها له، فكأَنه
- ظِلٌّ، وسُنْبُلة ٌ، وقَطرُ غَمام
- وكأنه في الفتح عموريَّة ٌ
- أَسِمُ العصورَ بحسنِهِ، وأنا الذي
- يروي، فينتظمُ العصورَ كلامي
- شرفاً محمدُ، هكذا تبنى العلا:
- بالصبرِ آوِنة ً وبالإقدام
- هممُ الرجالِ إذا مضتْ لم يثنها
- خدعُ الثناءِ ولا عوادي الذَّام
- وتمامُ فضلكَ أن يعيبكَ حسدٌ
- يجدون نقصاً عندَ كلِّ تمَام
- المالُ في الدنيا منازلُ نقلة ٍ
- فرفعتَ إيواناً كرُكنِ النَّجمِ، لم
- يُضرَبْ على كِسرى ، ولا بَهرام
- صَيَّرْتَ طينتَه الخلودَ، وجئتَ مِنْ
- وادي الملوكِ بجَنْدَلٍ ورَغام
- هذا البناءُ العبقريُّ أَتى به
- بيتٌ له فضل وحقُّ ذمام
- كانت به الأرقام تدركُ حسبة ً
- واليومَ جاوز حسبة َ الأرقام
- يا طالما شغف الظنونَ، وطالما
- كثر الرجاءُ عليه في الإلمام
- ما زلتَ أَنتَ وصاحباك بِركنه
- حتى استقام على أغرِّ دعام
- أَسَّسْتُم بالحاسدين جِدارَه
- وبينتمو بمعاول الهدَّام
- شركاتك الدنيا العريضة ُ لم تنل
- إلا بطول رعاية ٍ وقيام
- الله سخَّر للكنانة ِ خازناً
- أَخذ الأَمانَ لها من الأَعوام
- وكأَن مالَ المودِعين وزرعَهم
- في راحتيْك ودائعُ الأَيتام
- ما زلتَ تَبني رُكنَ كلِّ عظيمة ٍ
- حتى أتيتَ برابع الأهرام
المزيد...
العصور الأدبيه