الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> فثَمَّ جَلالة ٌ قَرَّتْ ورامت >>
قصائدأحمد شوقي
فثَمَّ جَلالة ٌ قَرَّتْ ورامت
أحمد شوقي
- فثَمَّ جَلالة ٌ قَرَّتْ ورامت
- سريا صليب الرِّفقِ في ساح الوغى
- وانتشر عليها رحمة ً وحنانا
- ولو صَرَّحت لم تُثر الظنونا
- وهل تصوّرُ أفراداً وأعيانا؟
- نزلنَ أَولَ دارٍ في الثرى رَفعَت
- للشمس مُلكاً ، وللأقمار سلطانا
- ووقى من الفتنِ العبادَ، وصانا
- تفننت قبل خلق الفن، وانفجرت
- علماً على العُصُرِ الخالي وعِرفانا
- والمسْ جراحاتِ البريَّة ِ شافياً
- ما كنت إلا للمسيح بنانا
- أُبَوَّة ٌ لو سكتا عن مفاخرهم
- تواضعاً نطقت صخراً وصَوَّانا
- وإذا الوطيسُ رمى الشباب بناره
- واضرَع ، وسلْ في خلقِه الرّحمانا
- هم قلَّبوا كرَة الدنيا فما وجدَتْ
- جلالُ الملك أَيامٌ وتمضي
- فيا لكِ هِرَّة ً أَكلت بنيها
- للهِ له بيعاً ولا صلبانا
- وصيّروا الدهرَ هزءاً يسخرون به
- يَسُلُّ من التراب الهامدينا
- لم يَسلك الأَرضَ قومٌ قبلهم سُبُلاً
- ولا الزواخرَ أَثباجاً وشُطَّانا
- ومن دُولاتهم ما تعلمينا
- تقدم الناسَ منهم محسنون مضَوا
- للموت تحت لواءِ العِلم شجعانا
- إن الذي أمرُ الممالك كلذِها
- بيديه ؛ أحدثَ في الكنانة شانا
- جابوا العُبابَ على عودٍ وسارية ٍ
- وأغلوا في الفَلا كاأُسْدِ وحْدانا
- أَزمانَ لا البرُّ بالوابور منتهَباً
- ولا «البخارُ» لبنت الماءِ رُبَّانا
- وكان نزيلُهُ بالمَلْكِ يُدعَى
- فينتظم الصنائعَ والفنونا
- هل شيَّع النشءُ رَكْبَ العلم، واكتنفوا
- لعبقرية ٍ أَحمالاً وأَظعانا؟
- أوَما ترون الأرضَ خُرّب نصفُها
- وديارُ مصرٍ لا تزال جنانا؟
- عِزَّ الحضارة أعلاماً وركبانا؟
- يسيرُ تحت لواءِ العلم مؤتلفاً
- ولن ترى كنودِ العلم إخوانها
- كجنود عَمْروٍ ، أينما ركزوا القنا
- العلمُ يجمعُ في جنسٍ ، وفي وطنٍ
- شتى القبائل أجناساً ، وأوطانا
- ولم يزِدْكَ كرسمِ الأَرض معرفة ً
- وتارة ً بفضاءِ البَرِّ مُزدانا
- علمٌ أَبان عن الغبراءِ، فانكشفتْ
- زرعا، وضرعا، وإقليما، وسُكانا
- أُممَ الحضارة ِ، أنتمُ آباؤنا
- منكم أخذنا العلمَ والعرفانا
- وقسم الأرض آكاماً، وأودية ً
- نحاذرُ أَن يؤول لآخرينا
- بنيانُ إسماعيل بعد محمدٍ
- وتركُك في مسامعها طنينا
- وبيَّن الناسَ عادات وأمزجة ً
- سَيَفْنَى ، أَو سَيُفْنِي المالكينا
- وما تلك القبابُ؟ وأَين كانت؟
- وما لكَ حيلة ٌ في المرجفينا:
- ومن المروءة ِ - وهي حائطُ ديننا -
- أن نذكرَ الإصلاحَ والإحسانا
- وفدَ الممالك ، هز النيل مَنكبَه
- لما نزلتم على واديه ضيفانا
- غدا على الثغرِ غادٍ من مواكبكم
- مُمرَّدة البناءِ، تُخالُ برجاً
- لم يعرفوا الأحقاد والأضغانا
- جرت سفينتُكم فيه ، فقلَّبها
- على الكرامة قيدوماً وسكانا
- يلقاكمُ بسماءِ البحر معتدلٌ
- نزلتُم بعَروسِ المُلكِ عُمرانا
- ودالتْ دولة المتجبِّرينا
- كأنه فلق من خِدره بانا
- أناف خلف سماءِ الليل متقداً
- يخال في شُرفات الجوِّ كيوانا
- تطوي الجواري إليه اليمّ مقبلة ً
- تجري بوارجَ أَو تنساب خُلجانا
- نورُ الحضارة لا تبغي الركابُ له
- لا بالنهار ولا بالليل برهانا
- يا موكبَ العلم، قِفْ في أَرض منْفَ به
- فكانوا الشُّهبَ حين الأَرض ليلٌ
- بكى تمائمَهُ طفلاً بها، ويبكي
- ملاعباً من دبى الوادي وأحضانا
- أرض ترعرع لم يصحب بساحتها
- إِلاَّ نبيين قد طابوا، وكهّانا
- عيسى ابنُ مريم فيها جرّ بُردتَه
- وجرّ فيها العصا موسى بن عِمرانا
- لو لا الحياء لناجتْكم بحاجتها
- لعل منكم على الأيام أعوانا
- وهل تبقى النفوسُ إِذا أَقامت
- ليَّنتُمُ كلَّ قلبٍ لم يكن لانا
- فضاقت عن سفينهم البحار
- فلرُبَّ إِخوانٍ غَزَوْا إِخوانا
- أمورٌ تضحكُ الصبيانُ منها
- وانشر عليها رحمة ً وحنانا
- وصيَّرنا الدخان لهم سماء
- وأَراد أَمراً بالبلاد فكانا
- هِزبر من ليوث الترك ضاري
- علومَ الحربِ عنكم والفنونا
المزيد...
العصور الأدبيه