الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ >>
قصائدأحمد شوقي
سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
أحمد شوقي
- سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟
- ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
- أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم!
- أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
- يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ
- كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
- هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى
- ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
- غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى
- آخذٌ يأخذه بالأصغرين
- وطبيبٌ يتولى عاجزاً
- نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
- إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ
- أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
- تنفذ الجوَّ على عقبانه
- وتلاقي الليثَ بين الجبلين
- وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته
- وتنال الببَّغا في المئتين
- أنا منْ مات، ومنْ مات أنا
- لقي الموتَ كلانا مرتين
- نحن كنا مهجة ً في بدنٍ
- ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
- ثم عدنا مهجة في بدنٍ
- ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
- ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا
- وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
- انظر الكونَ وقلْ في وصفه
- قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
- فقدا الجنة َ في إيجادنا
- ونَعمْنا منهما في جَنّتين
- وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا
- وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
- ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن
- بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟
- ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه
- وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
- طالما قمنا إلى مائدة ٍ
- كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
- وشربنا من إناءٍ واحدٍ
- وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
- وتمشَّيْنا يَدي في يدِه
- من رآنا قال عنّا: أخوين
- نظرَ الدهرُ إلينا نظرة ً
- سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
- يا أبي والموتُ كأسٌ مرة ٌ
- لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
- كيف كانت ساعة ٌ قضيتها
- كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟
- أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة ً
- أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
- لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً
- جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
- أنت قد علمتني تركَ الأسى
- كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
- ليت شعري: هل لنا أن نتلقي
- مَرّة ً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
- وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى
- أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟
المزيد...
العصور الأدبيه