الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> جرحٌ على جرحٍ! حَنانَكِ جِلَّقُ >>
قصائدأحمد شوقي
جرحٌ على جرحٍ! حَنانَكِ جِلَّقُ
أحمد شوقي
- جرحٌ على جرحٍ! حَنانَكِ جِلَّقُ
- حمِّلتِ ما يوهي الجبالَ ويزهقُ
- صبراً لباة الشرقِ ؛ كلُّ مصيبة ٍ
- تبْلَى على الصبر الجميلِ وتخلق
- أنسيتِ نارَ الباطشينَ ، وهزّة ً
- عرتِ الزمانَ ، كأن روما تحرقُ
- رعناءَ أرسلها ودسّ شواظها
- في حجرة ِ التاريخِ أرعنُ أحمقُ
- فمشتْ تحطِّمُ باليمينِ ذخيرة ً
- وتَلُصُّ أُخرى بالشمال وتَسْرِق؟
- جُنَّتْ، فضعضعها، وراضَ جِمَاحَها
- من نشئكَ الحمسُ الجنونُ المطبقُ
- لقيَ الحديدُ حميَّة ً أمويَّة ً
- لا تكتسي صدأً ، ولا هي تطرقُ
- يا واضعَ الدّستورِ أَمسِ كخُلْقِه
- ما فيه من عِوَجٍ، ولا هُو ضيِّق
- نظمٌ من الشورى ، وحكمٌ راشدٌ
- أدبُ الحضارة ِ فيهما والمنطقُ
- لا تَخْشَ ممّا ألحقوا بكتابه
- يَبقَى الكتابُ وليس يبقَى المُلْحق
- مَيْتَ الجلالِ، من القوافي زَفْرة ٌ
- تجري، ومنها عبْرَة ٌ تترقرق
- ولقد بعثتهما إليكَ قصيدة ً
- أَفأَنتَ مُنتَظِرٌ كعهْدكَ شَيِّق؟
- أَبكي ليالِينَا القِصار وصحبة ً
- أخذتْ مخيلتها تجيشُ وتبرقُ
- لا أَذكرُ الدنيا إليك؛ فربّما
- كره الحديثَ عن الأجاجِ المغرقُ
- طبعتْ من السمّ الحياة ، طعامها
- وشرابُها، وهواؤها المتنشَّق
- والناسُ بين بطيئها وذعافها
- لا يعلمون بأيِّ سمِّيها سقوا
- أما الوليُّ فقد شقاكَ بسمِّه
- ما ليس يَسقيك العدوُّ الأَزرق
- طلبوك والأَجلُ الوَشِيكُ يَحُثُّهم
- ولكلِّ نفسٍ مُدَّة ٌ لا تُسبَق
- لمّا أعان الموتُ كيدَ حبالهم
- علقتْ ، وأسبابُ المنية ِ تعلقُ
- طَرَقَتْ مِهادَك حَية ٌ بَشَرية ٌ
- كفرتْ بما تنتابُ منه وتطرُق
- يا فوز ، تلك دمشقُ خلفَ سوادها
- ترمي مكانكَ بالعيون وترمقُ
- ذكرتْ لياليَ بدرها ، فتلفَّتتْ
- فعساك تَطلُع، أو لعلَّك تُشْرِق
- برَدَى وراءَ ضِفافِه مُستعبِرٌ
- والحورُ محلولُ الضفائر مطرقُ
- والطيرُ في جَنَباتِ دُمَّرَ نُوَّحٌ
- يجدُ الهومَ خليُّهن ويأرقُ
- ويقول كلُّ محدِّثً لسميره
- أبذاتِ طوقٍ بعدَ ذلك يوثق ؟
- عشقتْ تهاويلَ الجمالِ ، ولم تجدْ
- في العبقرية ما يحبُّ ويعشقُ
- فمشتْ كأنَّ بنانها يدُ مدمنٍ
- وكأَن ظلَّ السمِّ فيها زِئْبَق
- ولو أنّ مقدوراً يردُّ لردِّها
- بحياته الوطنُ المَرُوعُ المُشْفِق
- أَشقى القضاءُ الأَرض، بعدَك أُسرة
- لولا القضاء من السماءِ لما شَقوا
- قَسَتِ القلوبُ عليهمُ وتحجَّرَتْ
- فانظر فؤادَك، هل يلينُ ويَرفُق؟
- إن الذين نزلْتَ في أَكنافهم
- صَفحوا، فما منهم مَغِيظٌ مُحْنَق
- سَخِروا من الدنيا كما سَخِرَتْ بهم
- وانبَتَّ من أَسبابها المُتَعَلَّق
- يا مأتماً من عبدِ شمسً مثله
- للشمس يصنعُ في الممات وينشق
- إن ضاق ظهرُ الأرضِ عنك فبطنها
- عمّا وراءَكَ من رُفاتٍ أَضْيق
- لما جَمَعْتَ الشامَ من أَطرافِه
- وافى يعزِّي الشامَ فيك المشرقُ
- يبكي لواءً من شبابِ أميّة ٍ
- يَحمي حِمَى الحق المبينِ ويخفق
- لمستْ نواصيها الحصونُ ترومه
- ركنُ الزعامة ِ حين تطلب رأيه
- فَيَرَى ، وتسْأَلُه الخطابَ فينْطِق
- ويكاد من سحرِ البلاغة ِ تحتَه
- عودُ المنابرِ يستخف فيورق
- فيحاءُ، أَين على جِنانِك وردة ٌ
- كانت بها الدنيا ترفُّ وتعبقُ ؟
- علويّة تجد المسامع طيها
- وتُحِسُّ ريَّاها العقولُ وتَنشَق
- وأرائكُ الزّهر الغصون ، وعرشها
- يدُ أمة ٍ وجبينها والمفرق
- منْ مبلغٌ عني شبولة جلَّق
- قولاً يَبرُّ على الزمان ويصْدُق؟
- بالله جلَّ جلالُه، بمحمدٍ
- بيسوعَ ، بالغزِّيِّ لا تتفرقوا
- قد تُفْسِدُ المرْعَى على أخواتها
- شاة ٌ تندُّ من القطيعِ وتمرقُ
المزيد...
العصور الأدبيه