الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> الله يحكمُ في المداينِ والقُرى >>
قصائدأحمد شوقي
الله يحكمُ في المداينِ والقُرى
أحمد شوقي
- الله يحكمُ في المداينِ والقُرى
- يا مِيتَ غَمْرَ خُذِي القضاءَ كما جرى
- ما جَلَّ خَطْبٌ ثم قِيسَ بغيْرِه
- إلا وهوَّنه القياسُ وصغَّرا
- فسَلي عمورَة َ أَو سدُون تأَسِّياً
- أَو مرْتنيقَ غداة وورِيَتِ الثرى
- مُدنٌ لقِينَ من القضاءِ ونارِه
- شَرراً بجَنب نَصيبِها مُستَصْغَرا
- هذي طلولكِ أنفساً وحجارة ً
- هل كنتِ رُكناً من جَهَنَّمَ مُسْعَرا؟!
- قد جئتُ أبكيها وآخذُ عبرة ً
- فوقفتُ معتبراً بها مستعبرا
- أجدُ الحياة َ حياة َ دهرٍ ساعة ً
- وأرى النعيمَ نعيمَ عمرٍ مقصرا
- وأَعُدُّ من حَزْمِ الأُمورِ وعزمها
- للنفس أَن ترضَى ، وأَلاَّ تَضْجَرا
- ما زلتُ أسمعُ بالشَّقاءِ رواية ً
- حتى رأيتُ بكِ الشَّقاءَ مصوَّرا
- فعل الزمانُ بشمْلِ أَهلِك فِعْلَهُ
- ببني أميَّة َ ، أو قرابة ِ جعفرا
- بالأمسِ قد سكنوا الديارَ ، فأصبحوا
- لا يُنظَرون، ولا مساكنُهم تُرَى
- فإذا لقِيت لقيت حيّاً بائساً
- وإذا رأيت رأيت مَيْتاً مُنْكرا
- والأُمهاتُ بغير صبرٍ: هذه
- تبكي الصغيرَ ، وتلك تبكي الأصغرا
- من كلِّ مُودِعَة ِ الطُّلولِ دموعَها
- من أَجْلِ طفلٍ في الطلولِ استأْخرا
- كانت تؤمِّل أن تطولَ حياته
- واليومَ تسألُ أن يعودَ فيقبرا
- طلعتْ عليكِ النارُ شؤمها
- فمحتكِ آساساً ، وغيرتِ الذرا
- مَلَكَتْ جهاتِكَ ليلة ً ونهارَها
- حمراءَ يبدو الموتُ منها أحمرا
- لا ترهبُ الوفانَ في طغيانها
- لو قابَلَتْه، ولا تهابُ الأَبْحُرا
- لو أن نيرون الجمادَ فؤاده
- يُدْعَى ليَنْظُرَها لعاف المنظرا
- أوأنه ابتلى َ الخليلُ بمثلها
- ـ أَستغفِرُ الرحمنَ ـ ولَّى مُدْبِرا
- أو أن سيلاً عاصمٌ من شرها
- عصمَ الديارَ من المامع مال جرى
- أَمْسَى بها كلُّ البيوتِ مُبَوَّباً
- ومطنَّباً ، ومسيَّجاً ، ومسوَّرا
- أسرتهمو ، وتملَّكتْ طرقاتهم
- مَنْ فرَّ لم يجدِ الطريقَ مُيَسَّرا
- خفَّتْ عليهم يومَ ذلك مورداً
- وأَضلَّهُمْ قدَرٌ، فضَلُّوا المَصْدَرا
- حيثُ التفتَّ ترى الطريقَ كأنها
- ساحاتُ حاتمِ غبَّ نيرانِ القرى
- وترى الدعائمَ في السوادِ كهيكلٍ
- خمدَتْ به نارُ المجوسِ، وأَقْفَرا
- وتَشَمُّ رائحة َ الرُّفاتِ كريهة ً
- وتشمُّ منها الثاكلاتُ العَنْبَرا
- كثرتْ عليها الطيرُ في حوماتها
- يا طيرُ، «كلُّ الصَّيْدِ في جَوْفِ الفَرا»
- هل تأمنين طوارقَ الأحداثِ أن
- تغشى عليكِ الوكرَ في سنة ِ الكرى
- والناسُ مِنْ داني القُرى وبعيدِها
- تأْتي لتمشِيَ في الطُّلولِ وتَخْبُرا
- يتساءلون عن الحريقِ وهوله
- وأرى الفرائسَ بالتساؤلِ أجدرا
- يا رَبِّ، قد خَمَدَتْ، وليس سواكَ مَنْ
- يُطفِي القلوبَ المُشْعَلاتِ تَحسُّرا
- فتحوا اكتتاباً للإغانة فاكتتبْ
- بالصبر فهوَ بمالِهم لا يُشترى
- إن لم تكن للبائسين فمن لهم؟
- أَو لم تكن للاجئين فمَنْ ترى ؟!
- فتولَّ جَمْعاً في اليَبَاب مُشتَّتاً
- وارحم رميما في التراب مبعثرا
- فعلتَ بمصرَ النارُ ما لم تأتهِ
- آياتكَ السبعُ القديمة ُ في الورى
- أوَ ما تراها في البلاد كقاهرٍ
- في كلِّ ناحية يُسيِّر عَسْكرا؟!
- فادفعْ قضاءَك، أَو فصيِّرْ نارَه
- برداً، وخذْ باللأُّطفِ فيما قدِّرا
- مُدُّوا الأَكفَّ سَخِيَّة ً، واستغفِري
- يا أُمَّة ً قد آن أَن تَستغفرا
- أولى بعهطفِ الموسرين وبرِّهم
- مَنْ كان مِثلَهُمُ فأَصبَح مُعْسِرا
- يا أيُّها السُّجناءُ في أموالهم
- أأمنتموا الأيامَ أن تتغيَّرا؟
- لا يملكُ الإنسانُ من أحواله
- ما تملك الأَقدارُ، مهما قَدَّرا
- لا يُبْطِرنَّكَ من حرير مَوْطِىء ٌ
- فلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تَعثَّرَا
- وإذا الزمانُ تنكرتْ أحداثه
- لأخيكَ، فاذكره عسى أن تذكرا
المزيد...
العصور الأدبيه