الأدب العربى >> الشعر >> العصر الحديث و المعاصر >> أحمد شوقي >> إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما >>
قصائدأحمد شوقي
إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما
أحمد شوقي
- إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما
- أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمَى
- من الهاتكاتِ القلبَ أوَّلَ وهلة ٍ
- ومَا دَخَلَتْ لحماً، ولا لامستْ عظما
- تَوَارَدَ والنَّاعِي، فأَوْجَسْتُ رَنَّة ً
- كلاماً على سمعي ، وفي كبدي كلما
- فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوَى
- فيا وَيْحَ جَنْبِي! كم يَسيلُ؟ وكم يَدمَى ؟
- طَوَى الشرقَ نحوَ الغربِ، والماءَ للثَّرَى
- إليَّ ، ولم يركبْ بساطاً ولا يمَّا
- أبانَ ولم ينبسْ ، وأدَّى ولم يفهْ
- وأدمى وما داوى ، وأوهى وما رمَّا
- إذا طويتْ بالشهبِ والدُّهمِ شقة ٌ
- طَوَى الشُّهْبَ، أَو جاب الغُدافِيَّة َ الدُّهْما
- ولم أَرَ كالأَحداثِ سهماً إذا جرَتْ
- ولا كالليالي رامياً يُبعِدُ المَرْمَى
- ولم أَرَ حُكماً كالمقاديرِ نافذاً
- ولا كلقاءِ الموتِ من بينهما حتما
- إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى
- سَبيلٌ يَدينُ العالَمون بها قِدْما
- وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ
- ولا الموتُ إلا الرُّوحُ فارقَتِ الجِسما
- ولا خلْدَ حتى تملأَ الدهرَ حِكْمة ً
- على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
- زجرتُ تصاؤيفَ الزمانِ ، فما يقعْ
- ليَ اليومَ منها كان بالأمس لي وهما
- وقدَّرتُ للنعمانِ يوماً وضدَّهُ
- فما اغترَّتِ البوسى ، ولا غرَّتِ النَّعمى
- شربتُ الأَسى مصروفة ً لو تعرضتْ
- بأَنفاسِها بالفمِّ لم يستفِقْ غَمَّا
- فأَتْرِعْ وناوِلْ يا زمانُ؛ فإنما
- نديمكَ سقراطُ الذي ابتدعَ السمَّا
- قَتلتُكَ، حتى ما أُبالِي: أَدَرْتَ لي
- شهيدة ِ حربٍ لم تُقارِفْ لها إثما
- مُدَلَّهة ٍ أَزكى مِنَ النارِ زَفْرَة ً
- وأنزهِ منْ دمعِ الحيا عبرة سحما
- سقاها بَشيرِي وهْيَ تَبكِي صَبابة ً
- فلم يَقْوَ مَغناها على صَوْبِهِ رَسْما
- أَسَتْ جُرحَها الأَنباءُ غيرَ رَفيقة ٍ
- وكم نازعٍ سهماً فكان هو السَّهما!
- تغارُ على الحمَّى الفضائلُ والعلا
- لما قبَّلتْ منها ، وما ضمَّتْ الحمَّى !
- أكانت تمنَّاها وتهوى لقاءها
- إذا هي سَمَّاها بذي الأَرض مَنْ سَمّى ؟
- أَلَمَّتْ عليها، واتَّقتْ ثمراتِها
- فلمَّا وقوا الأسواءَ لم ترها ذمَّا
- فيا حسرتا أَلاَّ تراهم أَهِلَّة ً
- إذا أَقْصَرَ البدرُ التمامُ مَضوْا قُدْما!
- رياحينُ في أنف الوليِّ ، وما لها
- عدوٌّ تراهم في معاطسهِ رغما
- وألاَّ يطوفوا خشَّاً حولَ نعشها
- ولا يُشبِعوا الركنَ استلاماً ولا لَثْما
- حلَفْتُ بما أَسلَفْتِ في المهد مِنْ يَدٍ
- واوليتِ جثماني من المنَّة ِ العظمى
- وقبرٍ مَنُوطٍ بالجلال مُقَلَّدٍ
- تليدَ الخلالِ الكثرَ ، والطارفَ الجمَّا
- وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلهُ
- ولا رُمْتُ هذا الثكلَ للناس واليتما
- ولم يكُ الطيرِ بالرقّ لي رضاً
- فكيف رضائي أَن يَرَى البَشَرُ الظُّلما؟
- ولم آلُ شُبّانَ البريّة ِ رِقَّة ً
- كأن ثمارَ القلب منْ ولدي ثمَّا
- وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ
- أرى الناس صنفينِ : الذئابَ أو البهما
- وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولة ً
- ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحكما
- نزلْتُ رُبَى الدنيا، وجَنّاتِ عَدْنِها
- فما وَجَدَتْ نفسي لأَنهارها طعما
- أُرِيحُ أَرِيجَ المِسْكِ في عَرَصاتِها
- وإن لم أُرِحْ مَرْوانَ فيها ولا لَخْما
- إذا ضحكتْ زهواً إليَّ سماوها
- بكيتُ النَّدى في الأرض والبأسِ والحزما
- أطيفُ برسمٍ ، أو ألمُّ بدمنة ٍ
- أَخال القصور الزُّهر والغُرَفَ الشُّما
- فما برحَتْ من خاطري مصرُ ساعة ً
- ولا أَنتِ في ذي الدارِ زايَلْتِ لي هَمّا
- إذا جَنَّنِي الليلُ کهْتَزَزْتُ إليكما
- فجنحا إلى سعدى ، وجنحا إلى سلمى
- فلما بدا للناس صُبْحٌ من المُنَى
- وأَبصرَ فيه ذو البصيرة ِ والأَعمى
- وقرَّتْ سيوفُ الهندِ، وارتكز القَنا
- وأَقْلَعَتِ البَلْوَى ، وأَقْشَعَتِ الغُمَّى
- وحَنَّتْ نواقيسٌ، ورَنّتْ مآذنٌ
- ورَقَّتْ وجوهُ الأَرضِ تَستقبلُ السلمى
- أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ، ولم يزلْ
- ولوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا!
- إذا جال في الأعيادِ حلَّ نظامها
- أَو العُرسِ أَبْلى في معالمه هَدْما
- لئن فاتَ ما أمَّلته من مواكبٍ
- فَدُونَكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضَّخما!
- رثيْتُ به ذَات التُّقى ونظمتُه
- لعنصره الأَزكى وجوهرِهِ الأَسمى
- نمتكِ مَناجيبُ العُلا ونمَيْتِها
- فلم تلحقي بنتاً ولم تسبقي أُمّا
- وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلتْ
- تواضعتِ، لكنْ بعد ما فُتِّها نجما
- أتيتُ به لم ينظم الشِّعر مثله
- وجِئْتِ لأَخلاق الكرامِ به نَظما
- ولو نهضَتْ عنه السماءُ، ومَخَّضَتْ
- به الأرضُ كان المزنَ والتبرَ والكرما!
المزيد...
العصور الأدبيه