الأدب العربى >> الشعر >> العصر الجاهلي >> عبيدة بن الابرص >> للمرء أيام تعد >>
قصائدعبيدة بن الابرص
- لِمَنْ دِمْنَةٌ أقْوَتْ بِحَرّةِ ضَرْغَدِ
- تَلُوحُ كَعُنْوَانِ الكِتابِ المُجَدَّدِ
- لِسَعْدَةَ إذْ كانَتْ تُثِيبُ بِوُدّها،
- وَإذ هِيَ لا تَلْقَاكَ إلاّ بِأسْعُدِ
- وَإذْ هيَ حَوْرَاءُ المَدامِعِ طَفْلَةٌ
- كَمِثْلِ مَهَاةٍ حُرّةٍ أُمِّ فَرْقَدِ
- تُرَاعي بهِ نَبْتَ الخَمائِلِ بالضُّحَى،
- وَتَأوِي بِهِ إلى أرَاكٍ وَغَرْقَدِ
- وَتَجْعَلُهُ في سِرْبِها نُصْبَ عَيْنِها،
- وَتَثني عَلَيهِ الجِيدَ في كلّ مَرْقَدِ
- فقَد أوْرَثَتْ في القَلبِ سُقماً يَعودُهُ
- عِياداً كَسُمّ الحَيّةِ المُتَرَدِّدِ
- غَداةَ بَدَتْ مِنْ سِتْرِها، وَكأنّما
- تُحَفُّ ثَنَايَاها بِحالِكِ إثْمِدِ
- وَتَبْسِمُ عَنْ عَذْبِ اللِّثَاتِ كأنّهُ
- أقاحي الرُّبَى أضْحى وظاهِرُهُ نَدِ
- فإنّي إلى سُعْدَى وَإنْ طالَ نَأيُهَا
- إلى نَيْلِها ما عِشْتُ كالحائمِ الصَّدِي
- إذا كنتَ لم تَعبأ بِرَأيٍ وَلَمْ تُطِعْ
- لِنُصْحٍ وَلاَ تُصْغي إلى قَوْلِ مُرْشِدِ
- فَلا تَتّقي ذَمَّ العَشِيرَةِ كُلّهَا،
- وَتَدْفَعُ عَنْهَا باللّسانِ وَبِاليَدِ
- وَتَصْفَحُ عن ذي جَهلِهَا وَتَحُوطُها،
- وَتَقْمَعُ عَنْهَا نَخْوَةَ المُتَهَدِّدِ
- وَتَنْزِلُ مِنْهَا بِالمَكانِ الذي بِهِ
- يُرى الفَضْلُ في الدّنيا على المُتَحَمِّدِ
- فلَستَ، وَإن عَلّلتَ نَفْسَكَ بالمُنى،
- بِذِي سُودَدٍ بعادٍ وَلا كَرْبِ سَيّدِ
- لَعَمرُكَ ما يَخشَى الخليطُ تَفَحُّشِي
- عَلَيْهِ وَلا أنْأى عَلى المُتَوَدِّدِ
- وَلا أبْتَغي وُدَّ امرِىءٍ قَلّ خَيْرُهُ،
- وَلا أنَا عَنْ وَصْلِ الصّديقِ بأصْيَدِ
- وَإني لأُطْفي الحَرْبَ بَعدَ شُبُوبِها
- وَقَدْ أُوقِدَتْ للغَيّ في كلّ مَوْقِدِ
- فأوْقَدْتُها لِلظّالِمِ المُصْطَلي بِهَا،
- إذا لَمْ يَزَعْهُ رَأيُهُ عَنْ تَرَدُّدِ
- وَأغْفِرُ لِلْمَوْلى هَنَاةً تُرِيبُني،
- فَأظْلِمُهُ ما لَمْ يَنَلْني بمَحقدِي
- وَمَنْ رَامَ ظُلْمي مِنْهُمُ فَكَأنّما
- تَوَقَّصَ حِيناً مِن شَوَاهِقِ صِنْدِدِ
- وَإنّي لَذو رَأيٍ يُعاشُ بفَضْلِهِ،
- وَما أنَا مِنْ عِلْمِ الأمُورِ بمُبْتَدِي
- إذا أنْتَ حَمّلْتَ الخَؤونَ أمَانَةً،
- فإنّكَ قَدْ أسْنَدْتَها شَرَّ مُسْنَدِ
- وَجَدْتُ خَؤونَ القَوْم كالعُرّ يُتّقى،
- وَما خِلْتُ غَمَّ الجارِ إلاّ بمَعْهَدِي
- وَلا تُظهِرَنْ حُبّ امرِىءٍ قبل خُبرِه،
- وَبَعْدَ بَلاءِ المَرْء فَاذْمُمْ أوِ احمَدِ
- وَلا تَتْبَعَنّ رَأيَ مَنْ لَمْ تَقُصّهُ،
- وَلكنْ بِرَأيِ المَرْء ذي اللُّبّ فاقتَدِ
- وَلا تَزْهَدَنْ في وَصْلِ أهْلِ قَرَابَةٍ
- لِذُخْرٍ وَفي وَصْلِ الأباعِدِ فازْهَدِ
- وَإنْ أنتَ في مَجدٍ أصَبْتَ غَنِيمَةً،
- فَعُدْ لِلّذي صَادَفتَ من ذاك وَازْدَدِ
- تَزَوَّدْ مِنَ الدّنْيا مَتَاعاً فَإنّهُ
- على كلّ حالٍ خَيرُ زَادِ المُزَوِّدِ
- تَمَنَّى مُرَيءُ القَيسِ مَوْتي، وَإن أمتْ
- فَتِلْكَ سَبيلٌ لَستُ فيها بأوْحَدِ
- لَعَلّ الذي يَرْجُو رَدَايَ وَمِيتَتي
- سَفاهاً وَجُبْناً أن يكونَ هوَ الرَّدي
- فما عَيشُ مَن يَرْجو هلاكي بضَائرِي،
- وَلا موْتُ مَن قد ماتَ قبلي بمُخْلِدِي
- وَلِلْمَرء أيّامٌ تُعَدُّ وَقَدْ رَعَتْ
- حِبَالُ المَنَايا للفَتى كلَّ مَرْصَدِ
- مَنِيّتُهُ تَجْرِي لوَقْتٍ، وَقَصْرُهُ
- مُلاقاتُها يَوْماً على غَيرِ مَوْعِدِ
- فَمَنْ لمْ يَمُتْ في اليَوْمِ لا بُدّ أنّهُ
- سَيَعْلَقُهُ حَبْلُ المَنِيّةِ في غَدِ
- فَقُل للّذي يَبغي خِلافَ الذي مضَى:
- تَهَيّأ لأُخْرَى مِثْلِها فكأنْ قَدِ
- فَإنّا وَمَنْ قَدْ بَادَ مِنّا فكَالّذِي
- يَرُوحُ وكالقاضِي البَتاتِ لِيَغْتَدِي
المزيد...
العصور الأدبيه