الأدب العربى >> الشعر >> العصر الجاهلي >> النابغة الذبياني >> عوجوا فحيوا لنعم >>
قصائدالنابغة الذبياني
- عوجوا، فحَيّوا لنُعمٍ دمنَةَ الدّارِ،
- ماذا تُحَيّونَ من نُؤيٍ وأحجارِ؟
- أقوى، وأقفَرَ من نُعمٍ، وغيّرهَ
- هُوجُ الرّياحِ بها والتُّربِ، مَوّارِ
- وقفتُ فيها، سراةَ اليومِ، أسألُها
- عن آلِ نُعْمٍ، أمُوناً، عبرَ أسفارِ
- فاستَعْجَمَتْ دارُ نُعمٍ، ما تُكلّمنا،
- والدّارُ، لو كَلّمتنا، ذاتُ أخبارِ
- فما وجَدْتُ بها شيئاً ألوذُ به،
- إلاّ الثُّمامَ وإلاّ مَوْقِدَ النّارِ
- وقد أراني ونُعْماً لاهِييَنِ بها،
- والدّهرُ والعيشُ لم يَهمُمْ بإمرارِ
- أيّامَ تُخبْرُني نُعْمٌ وأُخبِرُها،
- ما أكتُمُ النّاسَ من حاجي وأسراري
- لولا حَبائِلُ من نُعْمٍ عَلِقْتُ بها،
- لأقْصَرَ القلبُ عَنها أيّ إقْصارِ
- فإن أفاقَ، لقد طالت عَمايَتُه؛
- والمرءُ يُخْلِقُ طوراً بعد أطوارِ
- نُبّئتُ نُعماً، على الـهِجرانِ، عاتِبَةً؛
- سَقياً ورَعياً لذاك العاتِبِ الزّاري
- رأيتُ نُعماً وأصحابي على عَجَلٍ،
- والعِيسُ، للبَينِ، قد شُدّتْ بأكوارِ
- فريعَ قَلبي، وكانَتْ نَظرَةٌ عَرَضَتْ
- حَيناً، وتَوفيقَ أقْدارٍ لأقدارِ
- بيضاءُ كالشّمسِ وافتْ يومَ أسعدِها،
- لم تُؤذِ أهلاً، ولم تُفحِشْ على جارِ
- تلوثُ بعدَ افتضالِ البُردِ مِئزَرَها،
- لَوثاً، على مثلِ دِعصِ الرّملة الـهارِي
- والطّيبُ يزدادُ طِيباً أن يكونَ بها،
- في جِيدِ واضِحةِ الخَدّينِ مِعطارِ
- تَسقي الضّجيعَ إذا استَسقى بذي أشرٍ
- عذبِ المَذاقةِ بعدَ النّومِ مخمارِ
- كأنّ مَشمولةً صِرْفاً برِيقَتِها،
- من بعدِ رَقدَتِها، أو شَهدَ مُشتارِ
- أقولُ، والنّجمُ قد مالتْ أواخِرُهُ
- إلى المَغيبِ: تَثبّت نَظرَةً، حارِ
- ألَمحَةٌ من سَنا بَرْقٍ رأى بصَري،
- أم وجهُ نُعْمٍ بدا لي، أم سنا نارِ؟
- بل وجهُ نُعمٍ بدا، واللّيلُ مُعتكِرٌ،
- فلاحَ مِن بينِ أثوابٍ وأستْارِ
- إنّ الحُمولَ التي راحتْ مُهَجِّرَةً،
- يَتْبَعنَ كلّ سَفيهِ الرّأيِ، مِغيارِ
- نَواعِمٌ مثلُ بَيضاتٍ بمَحْنيةٍ،
- يَحفِزْنَ منهُ ظَليماً في نَقاً هارِ
- إذا تَغَنّى الحَمامُ الوُرقُ هيّجَني،
- وإنْ تغربّتُ عنَها أُمِّ عَمّارِ
- ومَهمَهٍ نازِحٍ، تَعوي الذّئابُ بهِ
- نائي المِياهِ عنِ الوُرّادِ، مِقفارِ
- جاوَزتُهُ بعَلَنْداةٍ مُناقِلَةٍ
- وعرَ الطّريقِ على الإحزان مِضمارِ
- تَجتابُ أرْضاً إلى أرْضٍ بذي زَجَلٍ
- ماضٍ على الـهولِ هادٍ غيرِ مِحيارِ
- إذا الرّكابُ وَنَتْ عَنها ركائِبُها،
- تَشذّرَتْ ببَعيدِ الفَترِ، خَطّارِ
- كأنّما الرّحلُ منها فوقَ ذي جُدَدٍ،
- ذَبِّ الريادِ، إلى الأشباحِ نَظّارِ
- مُطَرَّدٌ، أفرِدتْ عنْهُ حَلائِلُهُ،
- من وحشِ وجرَةَ أومن وحش ذي قارِ
- مُجَرَّسٌ، وحَدٌ، جَأبٌ أطاعَ لـه
- نباتُ غَيثٍ، من الوَسمّي، مِبكارِ
- سَراتهُ، ما خَلا لَبانِه، لَهقٌ،
- وفي القوائمِ مثلُ الوَشمِ بالقارِ
- باتَتْ لـه ليلَةٌ شَهباءُ تَسفعُهُ
- بحاصِبٍ، ذاتِ إشعانٍ وأَمطارَ
- وباتَ ضيَفاً لأرطاةٍ، وألجأهُ،
- مع الظّلامِ، إليها وابلٌ سارِ
- حتى إذا ما انجلَتْ ظلماءُ لَيلَتِهِ،
- وأسفَرَ الصّبحُ عنهُ أيّ إسْفارِ
- أهوى لـه قانصٌ، يسعى بأكلُبِهِ،
- عاري الأشاجع، من قُنّاصِ أنمارِ
- مُحالفُ الصيّدِ، هَبّاشٌ، لـه لحمٌ،
- ما إن عليهِ ثيابٌ غيرُ أطمارِ
- يسعى بغُضفٍ بَراها، فهي طاويةٌ،
- طولُ ارتحالٍ بها منهُ، وتَسيارِ
- حتى إذا الثّوْرُ، بعد النُفرِ، أمكَنَهُ،
- أشلى، وأرسلَ غُضفاً، كلّها ضارِ
- فكَرّ مَحمِيّةً من أن يَفِرّ، كما
- كَرّ المُحامي حِفاظاً، خَشيةَ العارِ
- فشَكّ بالرّوْقِ منه صَدرَ أوّلِها،
- شَكّ المُشاعِبِ أعشاراً بأعشارِ
- ثمّ انثَنى، بعدُ للثّاني فأقصَدَهُ
- بذاتَ ثغرٍ بَعيدِ القَعْرِ، نعّارِ
- وأثبَتَ الثّالثَ الباقي بنافِذَةٍ،
- من باسِيلٍ عالمٍ بالطّعنِ، كرّارِ
- وظلّ، في سبعةٍ منها لحِقنَ به،
- يكُرّ بالرّوقِ فيها كَرّ إسوارِ
- حتى إذا قَضَى منها لُبانَتَهُ،
- وعادَ فيها بإقبالٍ وإدبارِ
- انقضّ، كالكواكبِ الدّرّيّ، منصَلِتاً،
- يَهوي، ويَخلِطُ تقريباً بإحْضارِ
- فذاكَ شبْهُ قَلوصى، إذ أضَرّ بها
- طولُ السُّرَى، والسُّرى من بعد أسفارِ
المزيد...
العصور الأدبيه