الأدب العربى >> الشعر >> العصر الجاهلي >> النابغة الذبياني >> إن المنية موعد >>
قصائدالنابغة الذبياني
- دعاكَ الـهوَى، واستَجهَلَتكَ المنازِلُ،
- وكيفَ تَصابي المرء، والشّيبُ شاملُ؟
- وقفْتُ برَبْعِ الدّارِ، قد غَيّرَ البِلى
- مَعارِفَها، والسّارِياتُ الـهواطِلُ
- أسائلُ عن سُعدى، وقد مرّ بعدَنا،
- على عَرَصاتِ الدّارِ، سبعٌ كوامِلُ
- فسَلّيتُ ما عندي برَوحةِ عِرْمِسٍ،
- تخُبّ برَحْلي، تارَةً، وتُناقِلُ
- مُوثَّقَةِ الأنساءِ، مَضبورَةِ القَرا،
- نَعوبٍ، إذا كَلّ العِتاقُ المَراسِلُ
- كأني شَددَتُ الرّحلَ حينَ تشذّرَتْ،
- على قارحٍ، ممّا تَضَمّنَ عاقِلُ
- أقَبَّ، كعَقدِ الأندَريّ، مُسَحَّجٍ،
- حُزابِيةٍ، قد كَدمَتْهُ الَمساحِلُ
- أضَرّ بجَرْداءِ النُّسالَةِ، سَمْحَج،
- يُقَلّبُها إذ أعوزَتَهُ الحَلائِلُ
- إذا جاهَدتَهُ الشّدّ جَدّ، وإنْ وَنَتْ
- تَساقَطَ لا وانٍ، ولا مُتَخاذِلُ
- وإنْ هَبَطا سَهْلاً أثارا عَجاجَةً؛
- وإنّ عَلَوَا حَزْناً تَشَظّتْ جَنادِلُ
- ورَبِّ بني البَرْشاءِ: ذُهْلٍ وقَيسِها
- وشَيبْانَ، حيثُ استَبهَلتَها المَنازِلُ
- لقد عالَني ما سَرّها، وتَقَطّعَتْ،
- لرَوعاتِها، مني القُوى والوَسائِل
- فلا يَهنىء الأعداءَ مصرَعُ مَلْكِهِمْ،
- وما عَتَقَتْ منهُ تَميمٌ ووائِلُ
- وكانتْ لـهُمْ رِبْعيّةٌ يَحذَرُونَها،
- إذا خَضْخَضَتْ ماءَ السّماءِ القبائِلُ
- يسيرُ بها النّعمانُ تغَلي قُدُورُهُ،
- تَجيشُ بأسبابِ المَنايا المَراجِلُ
- يَحُثّ الحُداةَ، جالِزاً برِدائِهِ،
- يَقي حاجِبَيْهِ ما تُثيرُ القنابلُ
- يقولُ رجالٌ، يُنكِرونَ خليقَتي:
- لَعلّ زياداً، لا أبا لكَ، غافِلُ
- أبَى غَفْلتي أني، إذا ما ذكَرْتُهُ،
- تَحَرّكَ داءٌ، في فؤاديَ، داخِلُ
- وأنّ تِلادي، إنّ ذكَرْتُ، وشِكّتي
- ومُهري، وما ضَمّتْ لديّ الأنامِلُ
- حِباؤكَ، والعِيسُ العِتاقُ كأنّها
- هِجان الَمها، تُحدى عليها الرّحائلُ
- فإنْ تَكُ قد ودّعتَ، غيرَ مُذَمَّمٍ،
- أواسيَ مُلْكٍ ثَبّتَتْها الأوائِلُ
- فلا تَبعَدَنْ، إن المَنيّةَ موعِدٌ؛
- وكلُّ امرىءٍ، يوماً، به الحالُ زائِلُ
- فما كانَ بينَ الخيرَ لو جاء سالِماً،
- أبُو حُجُرٍ، إلاّ لَيالٍ قَلائِلُ
- فإنْ تَحيَ لا أمْلَلْ حياتي، وإن تمتْ،
- فما في حياتي، بعد موتِكَ، طائِلُ
- فآبَ مُصَلّوهُ بعَينٍ جَلِيّةٍ،
- وغُودِرَ الجَولانِ، حزْمٌ ونائِلُ
- سقي الغَيثُ قبراً بينَ بُصرَى وجاسمٍ،
- بغَيْثٍ، من الوَسْميْ، قطرٌ ووابلُ
- ولا زالَ رَيحانٌ ومِسْكُ وعَنْبَرٌ
- على مُنتَهاهُ، دِيمَةٌ ثمّ هاطِلُ
- ويُنبِتُ حَوذاناً وعَوفاً مُنَوِّراً،
- سأُتبِعُهُ مِنْ خَيرِ ما قالَ قائِلُ
- بكى حارِثُ الجَولانِ من فَقْدِ ربّه،
- وحَورانُ منه مُوحِشٌ مُتَضائِلُ
- قُعُودا لـه غَسّانُ يَرجونَ أوْبَهُ،
- وتُرْكٌ، ورهطُ الأعجَمينَ وكابُلُ
المزيد...
العصور الأدبيه