الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> حسان بن ثابت >> لكِ الخيرُ غضي اللومَ عني فإنني >>
قصائدحسان بن ثابت
لكِ الخيرُ غضي اللومَ عني فإنني
حسان بن ثابت
- لكِ الخيرُ غضي اللومَ عني فإنني
- أُحبُّ من الأخلاقِ ما كان أجملا
- ذَرِيني وَعلمي بالأمورِ وَشيمَتي،
- فما طائري يوْماً عليكِ بأخْيَلا
- فإن كنتِ لا مني، ولا من خليقتي،
- فمنكِ الذي أمسى عن الخيرِ أعزلا
- ألمْ تعلمي أني أرى البخلَ سبة ً،
- وَأُبْغِضُ ذا اللّوْنينِ والمُتَنقِّلا
- إذا انصرَفَتْ نفسي عن الشيء مرّة ً،
- فلستُ إليهِ آخرَ الدهرِ مقبلا
- وإني، إذا ما الهمُّ ضافَ قريتهُ
- زَماعاً، ومِرْقالَ العشيّاتِ عيهَلا
- ململمة ً، خطارة ً، لوْ حملتها
- على السيْفِ لم تعدِل عن السيْفِ معدِلا
- إذا انبعثتْ من مبركٍ غادرتْ بهِ
- تَوَائِمَ أمْثَالَ الزّبائب ذُبَّلا
- فإنْ بركتْ خوتْ على ثفناتها،
- كأنّ على حيزومها حرفَ أعبلا
- مروعة ً لوْ خلفها صرَّ جندبٌ،
- رأيتَ لها من روعة ِ القلبِ أفكا
- وإنا لقومٌ ما نسودُ غادراً،
- ولا ناكِلاً عِندَ الحمالَة ِ زُمَّلا
- ولا مانعاً للمالِ فيما ينوبهُ،
- ولا عاجزاً في الحربِ جبساً مغفلا
- نسودُ منا كلَّ أشيبَ بارعٍ،
- أغرَّ، تراهُ بالجلالِ مكللا
- إذا ما انتدى أجنى الندى ، وابتنى العلا،
- وَأُلفِيَ ذا طَوْلٍ على مَنْ تَطَوَّلا
- فلستَ بلاقٍ ناشئاً من شبابنا،
- وإن كانَ أندى من سَوانا، وأحوَلا
- نُطِيعُ فِعَالَ الشيخِ منّا، إذا سما
- لأمرٍ، ولا نعيا، إذا الأمرُ أعضلا
- لَهُ أُرْبَة ٌ في حزْمهِ وفِعَالهِ،
- وإن كانَ منّا حازِمَ الرّأي حُوَّلا
- وما ذاكَ إلاّ أنّنا جَعَلَتْ لنَا
- أكابرنا، في أولِ الخيرِ، أولا
- فنحن الذرى من نسل آدمَ والعرى ،
- تربعَ فينا المجدُ حتى تأثلا
- بنى الزُّ بيتاً، فاستقرتْ عمادهُ
- عَلينا، فأعْيا الناسَ أنْ يَتَحَوّلا
- وإنكَ لن تلقى منَ الناسِ معشراً
- أعَزَّ من الأنصَارِ عِزَّاً وأفضَلا
- وأكثرَ أنْ تلقَى ، إذا ما أتيْتَهُمْ،
- لهمْ سيداً ضخمَ الدسيعة ِ جحفلا
- وأشيَبَ، ميمونَ النّقيبة ِ، يُبتَغى
- بهِ الخَطَرُ الأعْلى ، وطفلاً مؤمَّلا
- وأمردَ مرتاحاً، إذا ما ندبتهُ
- تَحَمّلَ ما حَمّلْتَهُ، فَتَرَبّلا
- وَعِدَّاً خَطيباً لا يُطاقُ جوَابُهُ،
- وذا أُرْبَة ٍ في شِعْرِهِ مُتَنَخَّلا
- وأصْيَدَ نهّاضاً إلى السّيْفِ، صَارِماً،
- إذا ما دعا داعٍ إلى المَوْتِ أرْقلا
- وأغيدَ مختالاً، يجرُّ إزارهُ،
- كثيرَ النّدى ، طلْقَ اليدين مُعذَّلا
- لنا حرة ٌ مأطورة ٌ بجبالها،
- بنى المجدُ فيها بيتهُ، فتأهلا
- بها النَّخْلُ والآطامُ تجري خِلالَها
- جداوِلُ، قد تعلو رِقاقاً وجَرْوَلا
- إذا جدولٌ منها تصرمَ ماؤه،
- وصلنا إليهِ بالنواضحِ جدولا
- على كل مفهاقٍ، خسيفٍ غروبها،
- تُفرّغ في حوضٍ من الصخر انجلا
- له غلل في ظلِّ كل حديقة
- يُعَارضُ يَعْبُوباً منَ الماءِ سَلسَلا
- إذا جئتَها ألفَيْتَ، في حَجَرَاتِها،
- عناجيجَ قباً والسوامَ المؤبلا
- جَعَلْنَا لَها أسْيَافَنا وَرِماحَنا،
- من الجيش والأعرابِ، كهفاً ومعقِلا
- إذ جمعوا جمعاً سمونا إليهمِ
- بهندية ٍ تسقى الذعافَ المثملا
- نَصَرْنَا بها خيْرَ البرِيَّة ِ كلِّها،
- إماما، ووقّرْنا الكِتَابَ المُنزَّلا
- نَصَرْنا، وآوَيْنا، وقوّمَ ضرْبُنا
- لهُ بالسيوفِ مَيلَ مَن كان أميَلا
- وإنكَ لنْ تلقى لنا من معنفٍ،
- وَلا عائِبٍ، إلاّ لئيماً مُضَلَّلا
- وإلاّ أمْرأً قَدْ نالَهُ من سُيوفِنا
- ذبابٌ، فأمسى مائلَ الشقّ أعزلا
- فمَنْ يأتِنَا أوْ يَلْقَنا عنْ جِنايَة ٍ
- يجدْ عندنا مثوى ً كريماً، وموئلا
- نجيرُ، فلا يخشى البوادرَ جارنا،
- ولاقَى الغِنى في دُورِنا، فتمَوّلا
المزيد...
العصور الأدبيه