الأدب العربى >> الشعر >> العصر الاسلامي >> جميل بثينة >> خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما >>
قصائدجميل بثينة
خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما
جميل بثينة
- خلِيليّ، عوجا اليومَ حتى تُسَلّما
- على عذبة ِ الأنياب، طيبة ِ النشرِ
- فإنكما إن عُجتما ليَ ساعة ً،
- شكرتكما ، حتى أغيّبَ في قبري
- ألما بها، ثم اشفعا لي، وسلّما
- عليها، سقاها اللهُ من سائغِ القطرِ
- وبوحا بذكري عند بثنة َ ، وانظرا
- أترتاحُ يوماً أم تهشُّ إلى ذكري
- فإن لم تكنْ تقطعْ قُوى الودّ بيننا،
- ولم تنسَ ما أسلفتُ في سالفِ الدهرِ
- فسوف يُرى منها اشتياقٌ ولوعة ٌ
- ببينٍ، وغربٌ من مدامعها يجري
- وإن تكُ قد حالتْ عن العهدِ بَعدنا،
- وأصغتْ إلى قولِ المؤنّبِ والمزري
- فسوف يُرى منها صدودٌ، ولم تكن،
- بنفسيَ، من أهل الخِيانة ِ والغَدر
- أعوذ بكَ اللهمُ أن تشحطَ النوى
- ببثنة َ في أدنى حياتي ولا حَشْري
- وجاور، إذا متُّ ، بيني وبينها،
- فيا حبّذا موتي إذا جاورت قبري!
- عدِمتُكَ من حبٍّ، أما منك راحة ٌ،
- وما بكَ عنّي من تَوانٍ ولا فَتْر؟
- ألا أيّها الحبّ المُبَرِّحُ، هل ترى
- أخا كلَفٍ يُغرى بحبٍّ كما أُغري؟
- أجِدَّكَ لا تَبْلى ، وقد بليَ الهوى ،
- ولا ينتهي حبّي بثينة َ للزّجرِ
- هي البدرُ حسناً، والنساءُ كواكبٌ،
- وشتّانَ ما بين الكواكب والبدر!
- لقد فضّلتْ حسناً على الناس مثلما
- على ألفِ شهرٍ فضّلتْ ليلة القدرِ
- عليها سلامُ اللهِ من ذي صبابة ٍ،
- وصبٍّ معنّى ً بالوساوس والفكرِ
- وإنّكما، إن لم تَعُوجا، فإنّني
- سأصْرِف وجدي، فأذنا اليومَ بالهَجر
- أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقد إلفه،
- وأصبِرُ؟ ما لي عن بثينة َ من صبر!
- وما ليَ لا أبكي، وفي الأيك نائحٌ،
- وقد فارقتني شختهُ الكشح والخصرِ
- يقولون: مسحورٌ يجنُّ بذكرها،
- وأقسم ما بي من جنونٍ ولا سحرِ
- وأقسمُ لا أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ
- وما هبّ آلٌ في مُلمَّعة ٍ قفر
- وما لاحَ نجمٌ في السماءِ معلّقٌ،
- وما أورقَ الأغصانُ من فننِ السدرِ
- لقد شغفتْ نفسي، بثينَ، بذكركم
- كما شغفَ المخمورُ، يا بثنَ بالخمرِ
- ذكرتُ مقامي ليلة َ البانِ قابضاً
- على كفِّ حوراءِ المدامعِ كالبدرِ
- فكِدتُ، ولم أمْلِكْ إليها صبَابَة ً،
- أهيمُ، وفاضَ الدمعُ مني على نحري
- فيا ليتَ شِعْري هلْ أبيتنّ ليلة ً
- كليلتنا، حتى نرى ساطِعَ الفجر،
- تجودُ علينا بالحديثِ، وتارة ً
- تجودُ علينا بالرُّضابِ من الثغر
- فيا ليتَ ربي قد قضى ذاكَ مرّة ً،
- فيعلمَ ربي عند ذلك ما شكري
- ولو سألتْ مني حياتي بذلتها،
- وجُدْتُ بها، إنْ كان ذلك من أمري
- مضى لي زمانٌ، لو أُخَيَّرُ بينه،
- وبين حياتي خالداً آخرَ الدهرِ
- لقلتُ: ذروني ساعة ً وبثينة ً
- على غفلة ِ الواشينَ، ثم اقطعوا عمري
- مُفَلَّجة ُ الأنيابِ، لو أنّ ريقَها
- يداوى به الموتى ، لقاموا به من القبرِ
- إذا ما نظمتُ الشعرَ في غيرِ ذكرها،
- أبى ، وأبيها، أن يطاوعني شعري
- فلا أُنعِمتْ بعدي، ولا عِشتُ بعدها،
- ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشرِ
المزيد...
العصور الأدبيه