الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> ابن زيدون >> هوَ الدّهرُ الذي أحدَثَ الدّهرُ، >>
قصائدابن زيدون
هوَ الدّهرُ الذي أحدَثَ الدّهرُ،
ابن زيدون
- هوَ الدّهرُ الذي أحدَثَ الدّهرُ،
- فمنْ شيمِ الأبرارِ، في مثلها، الصّبرُ
- سَتْصبرُ صَبرَ اليأسِ، أوْ صَبَر حِسبة ٍ،
- فلا تَرْضَ بالصّبرِ، الذي معهُ وِزْرُ
- حذارَكَ منْ أن يعقبَ الرّزْءُ فتنة ً،
- يضيقُ لها، عن مثل أخلاقك، العذرُ
- إذا أسِفَ الثّكلُ اللّبيبَ، فشَفَّهُ،
- رأى أبرَحَ الثّكلَينِ أن يحبطَ الأجرُ
- مُصابُ الذي يأسَى بِمَيْتِ ثَوابِه،
- هو البرحُ، لا الميتُ الذي أحرزَ القبرُ
- حَياة ُ الوَرَى نَهجٌ، إلى الموْتِ، مَهيَعٌ،
- لهُمْ فيه إيضَاعٌ، كمَا يُوضِعُ السَّفرُ
- فيَا هاديَ المنهاجِ جرْتَ، فإنّما
- هوَ الفجُ يَهديكَ الصّراطَ أوِ البَجرُ
- لنَا، في سوانَا، عبرة ٌ غيرَ أنّنَا
- نُغَرّ بِأطْماعِ الأماني، فَنغْتَرّ
- إذا الموْتِ أضحى قَصْرَ كلّ مُعَمَّرٍ،
- فإنّ سَوَاءً طالَ أوْ قَصُرَ العُمْرْ
- ألمْ ترَ أنَ الدّينَ ريعَِ ذمارُهُ،
- فَلَمَ يُغْنِ أنصارٌ عَديدٌ ولا وَفْرُ
- بحيثُ استقَلّ المُلْكُ ثانيَ عِطْفهِ،
- وجرّرَ، منْ أذْيالِهِ، العسكرُ المجرُ
- هوَ الضّيمُ، لوْ غيرُ القَضَاء يَرُومُهُ،
- شآهُ المَرَامُ الصّعبُ وَالمسلَكُ الوَعرُ
- إذا عَثَرَتْ جُرْدَ السّوابِحِ في القَنَا
- بليلِ عجاجٍ، ليس يصدعه فجرُ
- لقدْ بكرَ النّاعي عليْنَا بدعوة ٍ
- عَوانٍ، أمَضّتْنَا لها لَوْعَة ٌ بِكْرُ
- أأنفَس نفسٍ في الورَى أقصدَ الرّدى ؟
- وأخطر عِلقٍ، للهُدى ، أهلكَ الدّهرُ؟
- هينئاً، لبطنِ الأرضِ، أنسٌ مجدَّدٌ
- بثاوِيَة ٍ حَلّتْهُ، فاستَوْحشَ الظّهرُ
- بطاهرة ِ الأثوابِ، فاتنة ِ الضّحى ،
- مُسَبِّحَة ِ الآنَاء، مِحرَابُها الخِدْرُ
- فإنْ أُنْئِيَتْ فالنّفسُ أنأى نَفيسَة ٍ،
- إذِ الجسمُ لا يسمو لتذكيرِهِ ذكرُ
- حَصَانٌ إنِ التّقوى استَبَدّتْ بسرّها،
- فمن صالحِ الأعمالِ يَسْتَوْضَحُ الجهرُ
- يطأطأُ سترُ الصّونِ دون حجابها،
- فيرفعُ، عن مثنى نوافلِها، السّترُ
- لَعَمرُ البُرودِ البِيضِ في ذلكَ الثّرَى ،
- لقد أُدرِجتْ، أثناءها، النّعمُ الخُضْرُ
- عليها سلامُ اللهِ تترَى ، تحيّة ً،
- ينسّمُها الغفرانَ، ريحانُها النّضْرُ
- وَعاهدَ تِلكَ الأرضَ عَهدُ غَمامة ٍ،
- إذا استعبرَتْ في تربِها ابتسمَ الزّهرُ
- فديناكَ، إنّ الرّزْء كانَ غمامة ً،
- طَلَعْتَ لَنا فيها، كمَا يَطلُعُ البَدْرُ
- ألسْتَ الذي إنْ ضاقَ ذرعٌ بحادثٍ
- تَبَلّجَ مِنْهُ الوَجْهُ واتّسَعَ الصّدرُ؟
- تعزّ بحوّاء، التي الخلقُ نسلُها،
- فمَنْ دونَها في العَصرِ يتبعُه العصرُ
- نِساءُ النّبيّ المُصْطَفى ، أمّهاتُنَا،
- ثَوَينَ فمَعناهُنّ، مُذْ حُقْبٍ، قَفْرُ
- وجَازَيْتَها الحُسنى ، فأُمٌّ شَفِيقَة ٌ،
- تحَفّى بهَا ابنٌ، كُلُّ أفْعالِهِ بِرّ
- تمنّتْ وفاة ً، في حياتِكَ، بعدَما
- توالَتْ، كنظمِ العقدِ، آمالُها النّثرُ
- كأنّ الرّدى نذرٌ عليها مؤكَّدٌ،
- فإنْ أُسْعِفَتْ بالحظّ فيكَ وفي النّذْرُ
- توَلّتْ فأبقَتْ، من مُجابِ دُعائِها،
- نفائسِ ذخرٍ ما يقاسُ بهِ ذخرُ
- تَتِمّ بهِ النُّعْمَى ، وَتَتّسِقُ المُنى ،
- وَتُسْتَدْفَعُ البَلْوَى ، ويُستَقبل الصّبرُ
- فلا تهضِ الدّنيا جناحَكَ بعدَها،
- فمنْكَ، لمنْ هاضتْ نوائبُها، جبرُ
- ا زِلْتَ مَوْفُورَ العَديدِ بِقُرّة ٍ
- لعَيْنيَكَ، مشدُودٍ بهِمْ ذلك الأزْرُ
- بَنى جَهْوَرٍ! أنْتُمْ سَماءُ رِياسَة ٍ
- لعافيكُمُ، في أفقِها، أنجمٌ زهرُ
- تَرَى الدّهرَ، إن يَبطشْ فمنكم يمينُه،
- وإنْ تضحكِ الدّنيا، فأنتمْ لها ثغرُ
- لكُمْ كلُّ رَقْرَاقِ السّماحِ، كأنّهُ
- حُسامٌ عَلَيْهِ، مِنْ طَلاقَتِه، أثْرُ
- سحائبُ نعمَى أبرَقتْ وتدفّقتْ،
- فَصَيّبُها الجَدْوَى ، وبَارِقُها البِشْرُ
- إذا ما ذكرْتمْ واستشفّتُ خلالُكمْ
- تضوّعَتِ الأخبارُ، واستمجدَ الخبرُ
- طريقتُكمْ مثلى ، وهديُكُمْ رضى ً،
- ونائِلُكُمْْ غمرٌ، ومذهبُكُمْ قصرُ
- وَكم سائلٍ، بالغَيبِ عنكمْ، أجبتُهُ:
- هُناكَ الأيادي الشّفعُ والسّوددُ الوِترُ
- عطاءٌ ولا منٌّ، وحكمٌ ولا هوى ً،
- وحلمٌ ولا عجزٌ، وعزٌّ ولا كبرُ
- قَدِ استَوْفَتِ النّعماءُ فيكُمْ تَمامَها
- علينا، فمنّا الحمدُ للهِ والشّكرُ
المزيد...
العصور الأدبيه