الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> ابن زيدون >> الدّهرُ، إنْ أمْلى ، فَصِيحٌ أعْجَمُ، >>
قصائدابن زيدون
الدّهرُ، إنْ أمْلى ، فَصِيحٌ أعْجَمُ،
ابن زيدون
- الدّهرُ، إنْ أمْلى ، فَصِيحٌ أعْجَمُ،
- يعطي اعتبارِي ما جهِلتُ، فأعلمُ
- إنّ الذي قَدَرَ الحَوادِثَ قدْرَهَا،
- ساوَى لَدَيْهِ الشّهْدَ مِنْها العَلْقَمُ
- ولقد نظرْتُ، فلا اغترابٌ يقتضي
- كدَرَ المآلِ، ولا تَوَقّ يَعْصِمُ
- كم قاعدٍ يَحظى ، فتُعجِبُ حالُهُ،
- من جاهدٍ يَصِلُ الدّؤوبَ، فيُحرَمُ
- وأرَى المساعيَ كالسّيوفِ تبادَرَتْ
- شأوَ المَضاء، فمُنْثَنٍ وَمُصَمِّمُ
- ولكمْ تسامى ، بالرّفيعِ نصابُهُ،
- خطرٌ، فناصبَهُ الوضيعُ الألأمُ
- وأشدُّ فَاجِعَة ِ الدّواهِي مُحْسِنٌ
- يسعى ، ليعلِقَهُ الجريمة َ مجرِمُ
- تَلَقى الحسودَ أصمَّ عن جَرْسِ الوفا،
- ولَقد يُصِيخُ، إلى الرُّقاة ِ، الأرْقَمُ
- قُلْ للبُغاة ِ المُنْبضِينَ قِسِيَّهُمْ:
- سَتَرَوْنَ مَنْ تُصْمِيهِ تلكَ الأسهُمُ
- أسررْتُمُ، فرأى ، نجيَّ عيوبكُمْ،
- شَيحانُ، مَدّلُولٌ عليها، مُلهَمُ
- وعبَأتُمُ للفِسْقِ ظُفْرَ سِعايَة ٍ
- لم يعدُكُمْ أنْ ردَ، وهوَ مقلَّمُ
- ونبذْتُمُ التّقْوَى وراء ظهورِكُمْ،
- فغدا، بغيضَكُمُ، التّقيُّ الأكرَمُ
- ما كانَ حِلْمُ مُحمّدٍ لِيُحِيلَهُ
- عن عهدِهِ دغِلَ الضّميرِ، مذمَّمُ
- مَلِكٌ تَطَلّعَ للنّواظِرِ غُرَّة ً،
- زهراءَ، يبديهَا الزّمانُ الأدْهَمُ
- يَغْشَى النّواظِرَ من جَهِيرِ رُوائهِ،
- خَلقٌ، يُرَى ملءَ الصّدورِ، مُطَهَّمُ
- وسنَا جبينٍ يستطيرُ شعاعُهُ،
- يُغني، عن القَمَرَينِ، مَن يَتَوَسّمُ
- صلْتٌ،تودُّ الشّمسُ لوْ صيغتْ لهُ
- تاجاً، ترصِّعُ جانبَيْهِ الأنْجُمُ
- فضَحَتْ مَحاسِنُهُ الرّياضَ بكَى الحَيا
- وهناً عليهَا، فاغتدَتْ تتبسّمُ
- بالقَدْرِ يَبْعُدُ، والتّواضُعِ يَدني،
- وَالبِشْرِ يَشْمِسُ، وَالنّدى يَتَغَيّمُ
- جذلانُ، في يومِ الوغَى ، متطلِّقٌ
- وَجْهاً إلَيْهَا، والرّدَى مُتَجَهِّمُ
- بأسٌ، كمَا صالَ الهِزَبْرُ، إزَاءَهُ
- جودٌ، كما جاشَ الخضمُّ الخضرِمُ
- نفسِي فداؤكَ، أيّها الملكُ، الذي
- كلُّ المُلوكِ لَهُ، العَلاءَ، تُسَلِّمُ
- سدتَ الجميعَ، فليسَ منهمْ منكرٌ،
- أنْ صِرْتَ فَذَّهُمُ الذي لا يُتْأمُ
- لا غَرْوَ، أُمُّ المَجدِ، في بِكْرِ الحِجى
- من أن يُضافَ إلَيكَ صِنوٌ، أعقَمُ
- فاحسِمْ دواعيَ كُلّ شَرّ دُونَهُ؛
- فالدّاءُ يسرِي، إنْ عدا، لا يحسَمُ
- كم سقطِ زندٍ قد نما، حتى غدا
- بركانَ نارٍ، كلَّ شيءٍ تحطِمُ
- وكذلكَ السّيلُ الجحافُ، فإنّما
- أُولاهُ طَلٌّ، ثُمّ وَبْلٌ يَثْجُمُ
- وَالمالُ يُخرِجُ أهْلَهُ عَنْ حَدّهمْ؛
- وافهَمْ فإنّكَ بالبواطنِ أفهَمُ
- واذكرْ صنيعَ أبيكَ، أوّلَ أمرِهِ،
- في كلّ متّهمٍ، فإنّكَ تعلمُ
- لم يبقِ منهُمْ منْ توقّعَ شرَّهُ،
- فصفَتْ لهُ الدّنيا، ولذّ المطعمُ
- فعلامَ تنكُلُ عنْ صنيعٍ مثلِهِ؛
- ولأنتَ أمضَى في الخطوبِ، وأشهَمُ
- وَجَنابُكَ الثَّبْتُ، الذي لا يَنْثَني؛
- وحسامُكَ العضْبُ، الذي لا يكهمُ
- والحالُ أوسعُ، والعوالي جمّة ٌ؛
- وَالمَجدُ أشمَخُ، وَالصّرِيمَة ُ أصرَمُ
- لا تتركَنْ للنّاسِ موضعَ شبهة ٍ،
- وَاحْزُمْ، فمِثلُكَ في العَظائمِ أحزَمُ
- قَدْ قالَ شاعرُ كِندَة ٍ، فِيما مَضى ،
- بيتَاً على مرّ اللّيالي يعلَمُ:
- لا يَسْلَمُ الشّرفُ الرّفيعُ منَ الأذَى
- حتّى يراقَ على جوانبِهِ الدّمُ
- فرقٌ عوَتْ، فزأرْتَ زأرَة َ زاجرٍ،
- راعَ الكليبَ بها السَّبنتى الضّيغَمُ
- يا ليتَ شعرِي ! هل يعودُ سفيهُهم،
- أمْ قد حَماهُ النّبحَ، ذاك، المِكْعَمْ؟
- لي منكَ، فليذُبِ الحسودُ تلظيّاً،
- لطفُ المكانة ِ، والمحلُّ الأكرَمُ
- وَشُفُوفُ حَظٍّ، لَيس يفْتأُ يُجْتَلى
- غَضَّ الشّبابِ، وَكُلُّ حظٍّ يَهرَمُ
- لم تُلفَ صَاغِيتي، لدَيكَ، مُضاعَة ً،
- كلاّ ولا خفيَ اصطناعي الأقدَمُ
- بلْ أوْسَعَتْ حفظاً، وصدقَ رعاية ٍ،
- ذِمَمٌ مُوَثَّقَة ُ العُرا، لا تُفْصَمْ
- فليخرِقَنّ الأرضَ شكرٌ منجدٌ
- مني، تَنَاقَلُهُ المَحافِلُ، مُتْهِمْ
- عَطِرٌ، هوَ المِسكُ السَّطوعُ، يطيبُ في
- شَمّ العُقُولِ أرِيجُهُ المُتَنَسَّمُ
- وإذا غُصُونُ المَكْرُماتِ تَهَدّلَتْ،
- كانَ، الثّناءَ، هَدِيلُهَا المُتَرنِّمُ
- الفخرُ ثغرٌ، عن حفاظِكَ، باسمٌ؛
- والمجدُ بُرْدٌ، من وَفائِكَ، مُعَلَمُ
- فاسلَمْ مَدَى الدّنيا، فأنْتَ جَمالُها،
- وَتَسوّغِ النُّعْمَى ، فإنّكَ مُنْعِمُ
المزيد...
العصور الأدبيه