الأدب العربى >> الشعر >> العصر الأندلسى >> ابن زيدون >> ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ؛ >>
قصائدابن زيدون
ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ؛
ابن زيدون
- ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ؛
- وأنْ قَد كفانا، فقدنَا القمرَ، البَدرُ
- وأنّ الحيَا، إنْ كان أقلع صوبُهُ،
- فَقَدْ فاض للآمالِ في إثْرهِ البحرُ
- إساءة ُ دَهْرٍ أحسنَ الفِعلَ بَعدَها،
- وَذنْبُ زمانٍ جاء يَتْبَعُهُ العُذْرِ
- فلا يَتَهنّ الكَاشِحونَ، فما دَجا
- لنَا اللّيلُ، إلاّ رَيْثما طلعَ الفجرُ
- وإنْ يكُ ولّى جهورٌ، فمحمّدٌ
- لعمرِي لنعمَ العلقُ أتلفَهُ الرّدى
- فبانَ، ونعمَ العلقُ أخلفَهُ الدّهرُ
- هَزَزْنَا بهِ الصّمصامَ، فالعزْمُ حَدُّهُ،
- وحليتُهُ العليا، وإفرنْدُهُ البشرُ
- فَتًى يَجْمَعُ المَجدَ المُفَرَّقَ هَمُّهُ،
- وينظَمُ، في أخلاقه، السّودَدُ النّثرُ
- أهابَتْ إلَيهِ بالقُلوبِ مَحبّة ٌ،
- هيَ السِّحرُ للأهوَاء، بل دونها السّحرُ
- سرتْ حيثُ لا تسرِي من الأنفسِ المُنى
- ودَبّتْ دَبِيباً لَيسَ يُحسِنهُ الخَمرُ
- لبسنا لدَيْهِ الأمنَ، تندى ظلالُهُ،
- وزهرة َ عيشٍ مثلَما أينعَ الزّهرُ
- وعَادَتْ لَنا عاداتُ دُنيا، كأنّها
- بها وسنٌ، أوْ هزّ أعطافَها سكرُ
- مَلِيكٌ، لَهُ منّا النّصيحة ُ والهَوى ؛
- ومنهُ الأيادي البيضُ والنِّعمُ الخضرُ
- نُسِرّ وَفاءً، حِينَ نُعلِنُ طاعَة ً،
- فَما خانَهُ سِرٌّ، ولا رابَهُ جَهْرُ
- فقُلْ للحَيارى : قد بدا علَمُ الهُدى ؛
- وللطّامعِ المغرورِ: قد قضيَ الأمرُ
- أبا الحزمِ! قد ذابَتْ عليكَ من الأسَى
- قلوبٌ مُناها الصّبرُ، لو ساعدَ الصّبرُ
- دَعِ الدّهرُ يَفجعْ بالذّخائرِ أهلَهُ،
- فما لنفيسٍ، مذ طواكَ الرّدى ، قدرُ
- تَهُونُ الرّزَايا بعَدُ، وهيَ جَلِيلَة ٌ؛
- ويُعرَفُ، مُذْ فارَقْتَنَا، الحادثُ النُّكرُ
- فقدْ ناكَ فِقْدانَ السّحابَة ، لم يَزلْ
- لها أثرٌ يثني بهِ السّهلُ والوعرُ
- مساعيكَ حليٌ لليّالي مرصَّعٌ؛
- وذكْرُكَ، في أردانِ أيّامها، عطرُ
- فلا تبعدَنْ ! إنّ المنيّة َ غاية ٌ،
- إلَيها التّناهي طالَ، أوْ قَصُرَ، العُمْرُ
- عَزَاءً، فدَتْكَ النّفسُ عنه، فءن ثوَى
- فإنّك لا الواني، ولا الضَّرَعُ الغُمْرُ
- ومَا الرّزْءُ في أن يودَع التُّرابَ هالكٌ،
- بلِا لرّزْء كلّ الرّزْء أن يهلكَ الأجرُ
- أمامَك، من حِفْظِ الإلَهِ، طَليعَة ٌ؛
- وَحَوْلَكَ، من آلائِه، عَسكرٌ مَجرُ
- ومَا بِكَ مِنْ فَقْرٍ إلى نَصْرِ نَاصرٍ،
- كفَتكَ، مِنَ اللَّهِ، الكلاءة ُ وَالنّصرُ
- لكَ الخيرُ، إنّي واثقٌ بكَ شاكرٌ
- لمَثنى أياديكَ، التي كفرُها الكفرُ
- تَحامَى العِدا، لمّا اعتَلَقْتُكَ، جانبي،
- وقَالَ المُناوِي: شبّ عن طوْقه عَمرُو
- يلينُ كلامٌ، كان يخشنُ منهمُ،
- ويفتُرُ نحوِي ذلكَ النّظرُ الشّزرُ
- فصَدّقُ طُنوناً لي وَفيّ، فإنّني
- لأهْلُ اليَدِ البَيضاء مِنكَ، ولا فخرُ
- ومنْ يكُ، للدّنيا وللوفْرِ، سعيُهُ،
- فتقريبُكَ الدّنيا، وإقبالُكَ الوفْرُ
المزيد...
العصور الأدبيه